ثم ذكر أن الرواية الأولى تعارض القرآن فقال:" ووجدنا كتاب الله قد دفع مثل هذا المعنى عن ذوي الذنوب، وهو قوله تعالى في الجزاء عن كفارة الصيد المقتول في الإحرام في (سورة المائدة) على ما ذكر فيها، ثم أعقبه بقوله:(ليذوق وبال أمره) فأخبر أنه جعل الكفارة في الصيد في الإحرام على قاتله ليذوق وبال قتله، فمثل ذلك على كل كفارة عن ذنب، إنما يراد بها ذوق المذنب وبالها، وفي ذلك ما يمنع تكفير غيره عنه في ذلك بعتاق عنه أو بغيره ".
ثم ختم الطحاوي كلامه على الحديث بأن ذكر وجها للتوفيق بين الروايتين لا أرى فائدة من حكايته، لسببين:
الأول: أن الحديث من أصله ضعيف.
الثاني: أنه لوصح فإحدى الروايتين خطأ قطعا، لأن الحادثة واحدة لم تكرر، وبالتالي فاللفظ الذي نطق به عليه السلام واحد، اختلف الرواة في تحديده، فلابد من المصير إلى الترجيح، وقد فعلنا، وذلك يغني عن محاولة التوفيق، والله أعلم.
(تنبيه) : الحديث سكت عليه المنذري في " مختصر السنن "(٥ / ٤٢٤) وقال: " أخرجه النسائي ". والظاهر أنه يعني في " الكبرى " له فإني لم أجده في " الصغرى "، ولا عزاه إليه النابلسي في " ذخائر المواريث "(٢ / ١٢٥ - ١٢٦) ، وعزاه السيوطي في " الجامع الكبير "(١ / ١٠٧ / ١) لأبي داود وابن حبان والطبراني في " الكبير " والحاكم والبيهقي.
هذا وقد يستدل بالحديث من يقول بوصول ثواب العمل إلى غير عامله إذا وهبه له، وهو خلاف قوله تعالى (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى) وما في معناه من الأحاديث ولوصح هذا الحديث لكان من جملة المخصصات للآية، وقد حقق الإمام الشوكاني القول في هذا الموضوع وذكر ما وقف عليه من المخصصات المشار إليها، فراجعه في " نيل الأوطار "(٣ / ٣٣٣ - ٣٣٦) ، مع فصل " ما ينتفع به الميت " من كتابي " أحكام الجنائز "(ص ١٦٨ - ١٧٨) .
٩٠٨ - " إن عيسى بن مريم كان يقول: لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فتقسوا قلوبكم، فإن القلب القاسي بعيد من الله، ولكن لا تعلمون، ولا تنظروا في ذنوب الناس كأنكم أرباب، وانظروا في ذنوبكم كأنكم عبيد، فإنما الناس مبتلى ومعافى، فارحموا أهل البلاء، واحمدوا الله على العافية ".
لا أصل له مرفوعا.
وإنما أورده الإمام مالك في " الموطأ "(٢ / ٩٨٦ / ٨) بدون إسناد أنه بلغه أن عيسى بن مريم كان يقوله. وليس من عادتي أن أورد مثل هذا الكلام لأن راويه لم يعزه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ولكني