قلت: فذكر الحديث مثل رواية ضمرة ثم قال الحاكم: " فصار الحديث بهذه الروايات صحيحا على شرط الشيخين ". قلت: ووافقه الذهبي، وليس كذلك لأمرين: الأول: أن هذه الرواية التي ساقها مستدلا على صحة ما ذكر، فيها الدمياطي وهو ضعيف. لكنه قد توبع فقال الطحاوي (١ / ٣١٦) : حدثنا علي بن عبد الرحمن: حدثنا عبد الله بن يوسف الدمشقي: حدثنا عبد الله بن سالم به. وعلي بن عبد الرحمن هو المعروف بـ (علان) المصري، قال ابن أبي حاتم (٣ / ١ / ١٩٥) : " صدوق ".
وتابعه إبراهيم بن يعقوب الجوزجاني: حدثنا عبد الله بن يوسف به. أخرجه ابن حبان (١٢٠٦) . ثم رواه الطحاوي من طريق الوليد بن مسلم: حدثني مالك بن أنس وغيره عن إبراهيم بن أبي عبلة أنه حدثهم عن عبد الله بن الديلمي عن واثلة نحوحديث ابن المبارك. قلت: فهذا كله يصحح ما ذكره الحاكم أن الغريف لقب لعبد الله بن الديلمي، أو على الأصح يدل على أن اسم الغريف عبد الله، وهي فائدة لا تجدها في كتب الرجال، ولكن هل يصير الحديث بذلك صحيحا؟ ذلك ما سترى الجواب عنه فيما يأتي. الأمر الثاني: أن عبد الله بن الديلمي المذكور في هذه الروايات ليس هو الذي عناه الحاكم: عبد الله بن فيروز الديلمي أبو بشر وهو الذي وثقه ابن معين والعجلي وغيرهما، وروى له أصحاب السنن إلا الترمذي، بل هو ابن أخي هذا، فقد تقدم في بعض الرويات أنه الغريف بن عياش، وفي أخرى عند الطحاوي والخطيب " الغريف بن عياش بن فيروز الديلمي "، ولذلك قال في ترجمة أبي بشر من " التهذيب ": " هو أخو الضحاك بن فيروز وعم الغريف بن عياش بن فيروز ".
فإذا ثبت أنه عبد الله بن عياش بن فيروز وهو غير عبد الله بن فيروز، وجب أن نتطلب معرفة حاله، وإذا عرفت مما سبق في ترجمته أنه مجهول، نستنتج من ذلك أن الحديث ضعيف لا يصح وأن الحاكم والذهبي وهما في تصحيحهما إياه، لاسيما وقد صححاه على شرط الشيخين، والعصمة لله وحده.
وفي الحديث علة أخرى، وهي الاضطراب في متنه، ففي رواية ضمرة وعبد الله بن سالم:" أعتقوا عنه "، وفي رواية ابن المبارك ومالك:" فليعتق رقبة ". وتابعهما عليها يحيى بن حمزة وهانىء بن عبد الرحمن عند الطحاوي، ولفظ هانىء:" مروه فليعتق رقبة ". فهذه الرواية أرجح لاتفاق هؤلاء الأربعة عليها، وفيهم مالك وابن المبارك وهما في التثبت والحفظ على ما هما عليه، كما قال الطحاوي.