" أمطه عنك - قال أحدهما - بعود أو إذخرة، فإنما هو بمنزلة البصاق والمخاط ".
قلت: وهذا سند صحيح على شرط الشيخين، وقد أخرجه البيهقي من طريق الشافعي ثم قال:" هذا صحيح عن ابن عباس من قوله، وقد روي مرفوعا، ولا يصح رفعه ". قلت: وجملة القول أن المرفوع فيه ثلاث علل: الأولى: ضعف محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى كما أشار إلى ذلك الدارقطني بقوله " في حفظه شيء " على تسامح منه في التعبير!
الثانية: ضعف شريك أيضا وهو ابن عبد الله القاضي، وأستغرب من الدارقطني سكوته عنه هنا، مع أنه قال فيه وقد ساق له حديث وضع الركبتين قبل اليدين عند الهو ي للسجود:" وشريك ليس بالقوي فيما تفرد به ". (انظر الحديث المتقدم ٩٢٩) .
الثالثة: تفرد إسحاق الأزرق بروايته عن شريك مرفوعا، وهو - أعني الأزرق - وإن كان ثقة، فقد خالفه وكيع وهو أو ثق منه، ولذلك رجح روايته البيهقي كما تقدم، لكن يبدو لي أن الراجح صحة الروايتين معا عن شريك، الموقوفة والمرفوعة، وأن هذا الاختلاف إنما هو من شريك أو شيخه ابن أبي ليلى، لما عرفت من سوء حفظهما، فهذا الإعلال أولى من تخطئة إسحاق الأزرق الثقة، وهذا أولى من نصب الخلاف بين الثقتين كما فعل البيهقي من جهة، وابن الجوزي من جهة أخرى، أما البيهقي فقد رجح رواية وكيع على إسحاق، وعكس ذلك ابن الجوزي فقال بعد أن ذكر قول الدارقطني " لم يرفعه غير إسحاق الأزرق عن شريك ": " قلنا إسحاق إمام مخرج عنه في " الصحيحين "، ورفعه زيادة، والزيادة من الثقة مقبولة، ومن وقفه لم يحفظ ".
كذا قال: وقد عرفت أن الصواب تصحيح الروايتين وأن كلا من الثقتين حفظ ما سمع من شريك، وأن هذا أو شيخه هو الذي كان يضطرب في رواية الحديث عن عطاء، فتارة يرفعه، وتارة يوقفه، فسمع الأزرق منه الرفع
، وسمع وكيع منه الوقف، وكل روى ما سمع، وكل ثقة.
ومن العجيب أن ابن الجوزي يتغافل عن العلتين الأوليين، ويجادل في العلة الثالثة، وقد عرفت ما في كلامه فيها، ولوسلم له ذلك، فلم يسلم الحديث من العلتين، وأعجب من ذلك أن العلة الأولى قد نبه عليها الدارقطني في جملته التي ذكرنا عنه في أول هذا التحقيق، فلما نقلها ابن الجوزي عنه اقتصر منها على الشطر الأول الذي فيه إعلال الحديث بالوقف، ولم يذكر الشطر الثاني الذي فيه الإشارة إلى العلة الأولى وهي ضعف ابن أبي ليلى! وهذا شيء لا يليق بأهل التحقيق والعلم.
ومن الأوهام حول هذا الحديث قول الإمام الصنعاني - في " العدة على شرح العمدة "(١ / ٤٠٤) :