بالجهالة حتى الآن فهذا يؤكد أن الجهالة عنده ليست جرحا! هذا، وفي معناه حديث وائل بن حجر قال:" رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه ". أخرجه أبو داود (١ / ١٣٤) والنسائي (١ / ١٦٥) والترمذي (٢ / ٥٦) والطحاوي (١ / ١٥٠) وابن حبان في " صحيحه "(رقم ٤٨٧ - موارد) والدارقطني (١٣١ - ١٣٢) والحاكم (١ / ٢٢٦) وعنه البيهقي (٢ / ٩٨) كلهم من طريق يزيد بن هارون: أخبرنا شريك (١) عن عاصم بن كليب عن أبيه عنه.
قلت: وهذا سند ضعيف، وقد اختلفوا فيه، فقال الترمذي عقبه:" هذا حديث حسن غريب، لا نعرف أحدا رواه مثل هذا عن شريك ". وقال الحاكم:" احتج مسلم بشريك "! ووافقه الذهبي! وليس كما قالا، على ما يأتي بيانه، وقال ابن القيم في " الزاد "(١ / ٧٩) وقد ذكر الحديث: " هو الصحيح "، وخالفهم الدارقطني فقال عقبه:" تفرد به يزيد عن شريك، ولم يحدث به عاصم بن كليب غير شريك، وشريك ليس بالقوي فيما يتفرد به ".
وخالفهم أيضا البخاري ثم البيهقي فقال هذا في " سننه "(٢ / ٩٩) : " هذا حديث يعد في أفراد شريك القاضي، وإنما تابعه همام من هذا الوجه مرسلا، هكذا ذكره البخاري وغيره من الحفاظ المتقدمين رحمهم الله تعالى ".
وهذا هو الحق الذي لا يشك فيه كل من أنصف، وأعطى البحث حقه من التحقيق العلمي، أن هذا الإسناد ضعيف، وله علتان: الأولى: تفرد شريك به. والأخرى: المخالفة. وقد سمعت آنفا الدارقطني يقول في شريك: إنه ليس بالقوي فيما يتفرد به، وفي " التقريب ": " صدوق، يخطىء كثيرا، تغير حفظه منذ ولي القضاء بالكوفة ". قلت: فمثله لا يحتج به إذا تفرد فكيف إذا خالف كما يأتي بيانه، وقول الحاكم والذهبي:" احتج به مسلم " من أوهامهما، فإنما أخرج له مسلم في المتابعات كما صرح بذلك المنذري في خاتمة " الترغيب والترهيب ".
وكثيرا ما يقع الحاكم في مثل هذا الوهم ويتبعه عليه الذهبي على خلاف ما يظن به، فيصححان أحاديث شريك على شرط مسلم، وهي
(١) وقع في " الموارد " " إسرائيل " بدل " شريك "، وهو خطأ من الناسخ وليس من الطابع، فقد رجعت إلى الأصل المخطوط في المكتبة المحمودية في المدينة المنورة فرأيته في (ق ٣٥ / ١) : " إسرائيل " كما في المطبوعة عنه. فتنبه.