ومحمد بن المصفى ومحمد بن المبارك الصوري وجعفر بن سليمان النوفلي وأحمد بن رشدين وأحمد بن داود المكي وابن الأصفر وغيرهم، وحدث به من الحفاظ عبد الله بن أحمد بن حنبل وأبو بكر بن أبي عاصم وأبو القاسم الطبراني، وروي عن شداد بن أوس أيضا مرفوعا. وروي عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة رضي الله عنهما موقوفا، وعن كعب الأحبار أيضا، وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى:(الرحمن على العرش استوى) هذا المعنى، ورواة هذا الحديث من طريق قتادة وشداد عامتهم من رجال الصحيح، وذلك كله بعد قول الله تعالى (أفمن يخلق كمن لا يخلق) إنما يوافق الاسم الاسم، ولا تشبه الصفة الصفة ".
قلت: مع التنزيه المذكور فإن الحديث يستشم منه رائحة اليهودية الذين يزعمون أن الله تبارك وتعالى بعد أن فرغ من خلق السموات والأرض استراح! تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا، وهذا المعنى يكاد يكون صريحا في الحديث فإن الاستلقاء لا يكون إلا من أجل الراحة سبحانه وتعالى عن ذلك.
وأنا أعتقد أن أصل هذا الحديث من الإسرائيليات وقد رأيت في كلام أبي نصر الغازي أنه روي عن كعب الأخبار، فهذا يؤيد ما ذكرته، وذكر أبو نصر أيضا أنه روي موقوفا عن عبد الله بن عباس وكعب بن عجرة، فكأنهما تلقياه - إن صح عنهما - عن كعب كما هو الشأن في كثير من الإسرائيليات، ثم وهم بعض الرواة فرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. ثم إن قول أبي نصر " إن رواة طريق قتادة من رجال الصحيح " صحيح، وكذلك قال الهيثمي في " المجمع " (٨ / ١٠٠) بعد أن عزاه للطبراني، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون سند الحديث بالذات صحيحا لجواز أن يكون فيه من تكلم فيه، وإن كان صاحب الصحيح احتج به، فإنه يجوز أن ذلك لأنه لم يثبت جرحه عنده، أو أنه كان ينتقي من حديثه مع اعتقاده أن فيه ضعفا يسيرا لا يسقط به حديثه جملة عنده، خلافا لغيره.
وإسناد هذا الحديث من هذا القبيل، فإن محمد بن فليح بن سليمان وأباه، وإن أخرج لهما البخاري فإن فيهما ضعفا وخاصة الأب، فقد ضعفه ابن معين حتى جعله دون الدراوردي وهذا حسن الحديث! وقال في رواية: " فليح ليس بثقة ولا ابنه "، وكذلك ضعفه ابن المديني والنسائي والساجي وقال: " هو من أهل الصدق، ويهم ". ولذلك لم يسع الحافظ إلا الاعتراف بضعفه فقال في " التقريب ": " صدوق كثير الخطأ ". وأما ابنه محمد فهو أحسن حالا من أبيه، ففي " الميزان ": " قال أبو حاتم: ما به بأس، وليس بذاك القوي. ووثقه بعضهم وهو أو ثق من أبيه. وقال ابن معين ليس بثقة ". وقال الحافظ: " صدوق يهم ". وإن مما يدل على ضعفهما وضعف حديثهما اضطرابهما في إسناده.