كنت أتمنى - والله - أن يكون الأخ الداراني قد تنبه لشيء غفل عنه أولئك الحفاظ الذين سماهم وغيرهم ممن لم يذكر كالحافظ البيهقي والعسقلاني لتعقبه عليه انطلاقاً من الحكمة القائلة (كم ترك الأول للاخر) ، ولكن هيهات لمثله أن يمكنه ذلك، وهو في هذا العلم لا يزال قزماً كما تدل على ذلك كثرة أخطائه وأوهامه التي تيسر لي بيان الكثير منها، وما لنا نذهب بعيداً، وهذا هو المثال بين أيدينا! لقد غَفَّل كل أولئك الحفاظ، واستصوب تغيير إسناد ما رووا، بمجرد الدعوى التي لا يعجز عنها أجهل الناس؛ بل إنه خالف أدباً من آداب رواية الحديث التي نصوا عليها في (النوع السادس والعشرون في صفة رواية الحديث) من "علم المصطلح "، وهو: أن الواجب المحافظة على الأصل مع بيان التصحيح بحاشية الكتاب، إلا إذا كان الخطأ واضحاً ليس هناك شبهة في أنه خطأ " (١) .
قلت: وكيف يمكن أن يتصور العقلاء وضوح خطأ ما ادعاه هذا الرجل على أولئك الحفاظ وهو لم يدل على ذلك بشبه دليل، الأمر الذي يقول الشاعر:
والدعاوى ما لم تقيموا عليها *** بينات أبناؤها أدعياء
نعم، إني لأظن أن الذي حمله على ذلك هو إعجابه برأيه، وغروره بنفسه، وتخيله ما رآه في ترجمة (عاصم بن سويد) أنه روى عن (موسى بن محمد) ، وهذا من ضيق عطنه، وقلة معرفته بهذا الفن، فقد يروي الراوي عن جمع من
شيوخه متفقين في الاسم واسم الأب، وفي ذلك ألف الخطيب كتابه " المتفق
(١) انظر "الباعث الحثيث شرح اختصار الحديث" للشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى (ص ١٦٤/ صبيح وأولاده) .