للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

مصادر كل منهما، فأوهم بذلك أنهما حديثان متغايران إسنادا! والحقيقة خلاف ذلك، فإن كلا منهما مدار إسناده على الأسلمي، كما سبق بيانه، غاية ما في الأمر أن الراوي كان يرويه تارة عن زياد بن مطرف عن زيد بن أرقم، وتارة لا يذكر فيه زيد بن أرقم، ويوقفه على زياد ابن مطرف وهو يؤكد ضعف الحديث لاضطرابه في إسناده كما سبق. والآخر أنه حكى تصحيح الحاكم للحديث دون أن يتبعه بيان علته، أو على الأقل دون أن ينقل كلام الذهبي في نقده.

وزاد في إيهام صحته أنه نقل عن الحافظ قوله في " الإصابة ": " قلت: في إسناده يحيى بن يعلى المحاربي وهو واه ". فتعقبه عبد الحسين (!) بقوله: " أقول هذا غريب من مثل العسقلاني، فإن يحيى بن يعلى المحاربي ثقة بالاتفاق، وقد أخرج له البخاري ... ومسلم ... ".

فأقول: أغرب من هذا الغريب أن يدير عبد الحسين كلامه في توهيمه الحافظ في توهينه للمحاربي، وهو يعلم أن المقصود بهذا التوهين إنما هو الأسلمي وليس المحاربي، لأن هذا مع كونه من رجال الشيخين، فقد وثقه الحافظ نفسه في " التقريب " وفي الوقت نفسه ضعف الأسلمي، فقد قال في ترجمة الأول: " يحيى بن يعلى بن الحارث المحاربي الكوفي ثقة، من صغار التاسعة مات سنة ست عشرة ". وقال بعده بترجمة: " يحيى بن يعلى الأسلمي الكوفي شيعي ضعيف، من التاسعة ". وكيف يعقل أن يقصد الحافظ تضعيف المحاربي المذكور وهو متفق على توثيقه، ومن رجال " صحيح البخاري " الذي استمر الحافظ في خدمته وشرحه وترجمة رجاله قرابة ربع قرن من الزمان؟! كل ما في الأمر أن الحافظ في " الإصابة " أراد أن يقول " ... الأسلمي وهو واه "، فقال واهما: " المحاربي وهو واه "! . فاستغل الشيعي هذا الوهم أسوأ الاستغلال، فبدل أن ينبه أن الوهم ليس في التوهين، وإنما في كتب " المحاربي مكان الأسلمي "، أخذ يوهم القراء عكس ذلك وهو أن راوي الحديث إنما هو المحاربي الثقة وليس هو الأسلمي الواهي!

فهل في صنيعه هذا ما يؤيد من زكاه في ترجمته في أول الكتاب بقوله: " ومؤلفاته كلها تمتاز بدقة الملاحظة.... وأمانة النقل ". أين أمانة النقل يا هذا وهو ينقل الحديث من " المستدرك " وهو يرى فيه يحيى بن يعلى موصوفا بأنه " الأسلمي " فيتجاهل ذلك، ويستغل خطأ الحافظ ليوهم القراء أنه المحاربي الثقة، وأين أمانته أيضا وهو لا ينقل نقد الذهبي والهيثمي للحديث بالأسلمي هذا؟! فضلا عن أن الذهبي أعله بمن هو أشد ضعفا من هذا كما رأيت، ولذلك ضعفه السيوطي في " الجامع الكبير " على قلة عنايته فيه بالتضعيف فقال: " وهو واه ".

<<  <  ج: ص:  >  >>