كذا قال، وفيه نظر واضح، فإن القلب يشهد أن ذلك يقال بالرأي والاجتهاد، ولذلك ظلت المسألة من موارد النزاع، وقد صح خلافه عن عمر بن الخطاب أفيقال: إنه توقيف أيضا مع أنه هو الصواب؟! فروى ابن أبي شيبة في باب من كان يرى الجمعة في القرى وغيرها، من طريق أبي رافع عن أبي هريرة أنهم كتبوا إلى عمر يسألونه عن الجمعة، فكتب:" جمعوا حيثما كنتم ".
قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وأبو رافع هذا اسمه نفيع بن رافع الصائغ المدني، واحتج بهذا الأثر الإمام أحمد على تضعيف أثر علي وزاد:" وأول جمعة جمعت بالمدينة، جمع بهم مصعب بن عمير، فذبح لهم شاة، فكفتهم، وكانوا أربعين، وليس ثم أحكام تجري ". قال إسحاق المروزي:" قلت له: أليس ترى في قرى مرولو
جمعوا؟ قال: نعم ". ثم روى ابن أبي شيبة (١ / ٢٠٤ / ٢) بسند صحيح عن مالك قال: " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في هذه المياه بين مكة والمدينة يجمعون ". وروى البخاري (٢ / ٣١٦ بشرح الفتح) وأبو داود (١٠٦٨) وغيرهما عن ابن عباس قال: لجمعة جمعت بـ (جوثاء) ، قرية من قرى البحرين، وفي رواية: قرية من قرى عبد القيس ". وترجم له البخاري وأبو داود بـ " باب الجمعة في القرى ".
قال الحافظ: " ووجه الدلالة منه أن الظاهر أن عبد القيس لم يجمعوا إلا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادة الصحابة من عدم الاستبداد بالأمور الشرعية في زمن نزول الوحي، ولأنه لوكان ذلك لا يجوز لنزل فيه القرآن، كما استدل جابر وأبو سعيد على جواز العزل بأنهم فعلوه والقرآن ينزل، فلم ينهو اعنه ".
قلت: وفي هذه الآثار السلفية عن عمر ومالك وأحمد من الاهتمام العظيم اللائق بهذه الشعيرة الإسلامية الخالدة: صلاة الجمعة حيث أمروا بأدائها والمحافظة عليها حتى في القرى وما دونها من أماكن التجمع، وهذا - دون أثر علي - هو الذي يتفق مع عمومات النصوص الشرعية وإطلاقها، وبالغ التحذير من تركها وهي معروفة، وحسبي الآن أن أذكر بآية من القرآن:(يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع) ، وصلاة الظهر بعدها ينافي تمامها:(فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله) .
ولما سافرت في رمضان سنة ١٣٩٦ إلى بريطانيا سرني جدا أنني رأيت المسلمين في لندن يقيمون صلاة الجمعة والعيد أيضا، وبعضهم يصلون الجمعة في بيوت اشتروها أو استأجروها وجعلوها (مصليات) يصلون فيها الصلوات الخمس والجمعات، فقلت في نفسي: لقد أحسن