للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

رواه مسلم (٣ / ٦٢) وأصحاب السنن إلا الترمذي والطحاوي وغيرهم عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا، فهذا هو المحفوظ عن أبي هريرة بالسند الصحيح عنه (١) ، فرواية ابن أبي حميد منكرة لمخالفتها لرواية الثقة، أما على رواية الطحاوي فظاهر، وأما على رواية الطيالسي التي فيها التفسير الباطل، فلأنها تضمنت زيادة على رواية الثقة من ضعيف فلا تقبل اتفاقا، وأيضا، فقد ثبت عن أبي هريرة عمله بالحديث على ظاهره، فروى الشافعي في " الأم " (١ / ٢٤٦) وابن أبي شيبة في " المصنف " (٤ / ١٣٧) عن محمد بن أبي يحيى عن أبيه قال: " كنت أتتبع أبا هريرة في الجنائز، فكان يتخطى القبور، قال: " لأن يجلس ... " فذكر الحديث موقوفا، وسنده جيد (٢) فدل هذا على بطلان ما روى ابن أبي حميد عن أبي هريرة من تفسير الجلوس على القبر بالبول والتغوط عليه، لأن أبا هريرة استدل بالحديث على تخطيه للقبور وعدم وطئها، فدل على أنه هو المراد، وهو الذي لا يظهر من الحديث سواه، ومن الغرائب أن يتأوله بعض العلماء الكبار بالجلوس للغائط وأغرب منه أن يحتج الطحاوي لذلك باللغة، فيقول: " وذلك جائز في اللغة، يقال: جلس فلان للغائط، وجلس فلان للبول "!! .

وما أدري والله كيف يصدر مثل هذا الكلام من مثل هذا الإمام، فإن الجلوس الذي ورد النهي عنه في الأحاديث مطلق، فهل في اللغة " جلس فلان " بمعنى تغوط أو بال؟ ! فما معنى قوله إذن: يقال جلس فلان للغائط ... " فمن نفى هذا وما علاقته بالجلوس المطلق؟ ! ولذلك جزم العلماء المحققون كابن حزم والنووي والعسقلاني ببطلان ذلك التأويل، فمن شاء الاطلاع على ذلك فليراجع " المحلى " (٥ / ١٣٦) و" فتح الباري " (٣ / ١٧٤) .

وإن من شؤم الأحاديث الضعيفة أن يستدل بها بعض أهل العلم على تأويل الأحاديث الصحيحة كهذا الحديث، فقد احتج به الطحاوي لذلك التأويل الباطل! واحتج أيضا بحديث آخر فقال: " حدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا الخصيب قال: حدثنا عمرو بن علي قال: حدثنا عثمان بن حكيم عن أبي أمامة أن زيد بن ثابت قال: هلم يا ابن أخي أخبرك إنما نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الجلوس على القبور لحدث: غائط أو بول ".

قلت: وهذا سند رجاله ثقات معرفون غير عمرو بن علي، فلم أعرفه، ولم أجد في هذه الطبقة من اسمه عمرو بن علي، ويغلب على الظن أن واو (عمرو) زيادة من بعض النساخ، وأن الصواب (عمر بن علي) (٣) وهو عمرو بن علي بن عطاء بن مقدم المقدمي وهو ثقة ولكنه كان يدلس تدليسا عجيبا يعرف بتدليس السكوت قال ابن سعد كان يدلس تدليسا شديدا يقول: سمعت وحدثنا، ثم يسكت فيقول: هشام بن عروة والأعمش ".


(١) وتابعه سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي هريرة نحوه، أخرجه ابن عدي (٦٠ / ٢) والخطيب (١١ / ٢٥٢) وكذا أبو نعيم في " الحلية " (٧ / ٢٠٧) لكن فيه الجارود بن يزيد متروك وهو مخرج في " أحكام الجنائز " (ص ٢٠٩) .
(٢) وسيأتي له طريق أخرى بإسناد صححه الحافظ.
(٣) ثم تأكدت من ذلك، حينما رأيت الحافظ المزي قد ذكر في " التهذيب " عثمان بن حكيم في شيوخ عمر بن علي هذا. اهـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>