الخامس: فإنْ قلتَ: إنما استدللتُ بالحديث لقوله – صلى الله عليه وسلم -: "قولوا: اللهم صل على محمد ... "، فعَمَّ ولم يخص صلاة ولا غيرها.
فأقول: هذا العموم المزعوم أنت أول مخالف له، لأنه يستلزم الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - بهذه الصلوات الِإبراهيمية كلما ذكر عليه الصلاة والسلام، وما رأيتك فعلت ذلك ولو مرة واحدة في خطبة كتاب أو في حديث ذكر فيه النبي – صلى الله عليه وسلم -، ولا عَلِمْنَا أحداً من السَّلَف فعل ذلك، والخير كلُّه في الإتباع، والسرُّ في ذلك أنَّ هذا العمومَ المُدَّعى إنما هو خاصٌّ بالتشهُّد في الصلاة كما أفادَتْهُ بعضُ الأحاديث الصحيحة، ونبَّه عليه الِإمامُ البيهقيُّ فيما ذكره الحافظ في "فتح الباري "(١١/١٥٤- ١٥٥- الطبعة السلفية) ، فَلْيراجِعْه مَن شاء، ولذلك كنت اخترتُ الصلاة عليه – صلى الله عليه وسلم - بهذه الصلوات الِإبراهيمية في كل تشهُّد؛ وسط وأخير، وهو نصّ الِإمام الشافعي كما تراه في "صفة الصلاة"(ص ١٨٥) مشروحاً.
وكيف يمكن أن يكون هذا الاستدلالُ صواباً وفيه ما سبق بيأنهُ من المخالفاتِ والمنكراتِ؟ مع أنه لم يَقُلْ أحدٌ من أهل العلم ببدعيّة ذكر الصحابة معه – صلى الله عليه وسلم - في الصلاة عليه تبعاً كما تزعم أنت، بل ما زالوا يذكرونهم في كُتُبهم سَلَفاً وخَلَفاً، كالِإمام الشافعي في "رسالته " على ما ذكره الحافظ السَّخَاوي في " القول البديع "، والرافعي والشِّيرازي والنَّووي وابن تيميّة وابن القَيِّم وابن حَجَر، وغيرهم كثير وكثير جداً لا يمكن حَصْرُهم، ما زال كل واحد منهم "يصلي على النبي – صلى الله عليه وسلم - في خطبة كتبه، يصلي على أصحابه معه " كما أفعل أنا أحياناً. اقتداءً بهم، وبخاصة أن الحافظ ابن كثير نقل في "تفسيره " الِإجماع على جوازه، ومع ذلك كُلِّه رميتني بسبب ذلك بدائك