قلت: ومنشأ الوهم أن كلا من الرجلين دمشقي، وكلاهما يروي عن الوليد بن مسلم
، وعنهما الربيع بن سليمان الجيزي، ولم يقع في إسناد هذا الحديث منسوبا إلى
جده بل كما تقدم " محمد بن وهب الدمشقي "، فاشتبه الأمر على ابن عدي
والدارقطني والمعصوم من عصمه الله. على أنهما قد اتفقا على إنكار الحديث،
وذلك مما يدل اللبيب على دقة نقد المحدثين للمتون، فإنهما مع ظنهما أن راوي
الحديث هو محمد بن وهب بن عطية الثقة فقد أنكراه عليه، وحاول الدارقطني أن
يكتشف العلة بقوله: " وأخاف.. "، لكن الله تعالى ادخر معرفتها للحافظ ابن
عساكر، مصداقا للمثل السائر: كم ترك الأول للآخر!
وإذا عرفت هذا فقد أخطأ الإمام القرطبي خطأ فاحشا في عزوه هذا الحديث لرواية
الوليد بن مسلم فقال في " تفسيره " (١٨/٢٢٣) :
" روى الوليد بن مسلم قال: حدثنا مالك.. " إلخ.
فإن جزمه بأن الوليد روى ذلك معناه أن من دون الوليد ثقات محتج بهم، وكذلك من
فوقه كما هو باد للعيان، فينتج من ذلك أن إسناد الحديث صحيح، ولا يخفى ما
فيه!
ويشبه صنيع القرطبي هذا، عزوالجويني لحديث " الاغتسال بالماء المشمس يورث
البرص ". وهو باطل كهذا (١) عزاه للإمام مالك، فأنكر العلماء ذلك عليه،
فقال الحافظ بان حجر في " التلخيص ":
" واشتد إنكار البيهقي على الشيخ أبي محمد الجويني في عزوه هذا الحديث لرواية
مالك! والعجب من ابن الصباغ كيف أورده في " الشامل " جازما به، فقال: " روى
مالك عن هشام ". وهذا القدر هو الذي أنكره البيهقي على الشيخ أبي محمد ".
ثم تذكرت أن الوليد بن مسلم وإن كان ثقة كما قال الدارقطني آنفا؛ لكنه كثير
التدليس والتسوية كما قال الحافظ في " التقريب "، وتدليس التسوية هو أن يسقط
من السند رجلا من فوق شيخه، كأن يكون مثلا بين مالك وسمي رجل فيسقطه، فهذا
الفعل يسمى تدليس التسوية عند المحدثين، والوليد معروف بذلك عندهم،
فالمحققون لا يحتجون
(١) راجع الكلام عليه في كتابنا " إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل " رقم (١٨) . اهـ