" لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ". أخرجه الشيخان والسياق للبخاري (٤١١٩)
. وفي آخره: " فأدرك بعضهم العصر في الطريق، فقال بعضهم: لا نصلي حتى
نأتيهم. وقال بعضهم: بل نصلي لم يرد منا ذلك. فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه
وسلم، فلم يعنف واحدا منهم ". (تنبيه) : يحتج بعض الناس اليوم بهذا الحديث
على الدعاة من السلفيين وغيرهم الذي يدعون إلى الرجوع فيما اختلف فيه المسلمون
إلى الكتاب والسنة، يحتج أولئك على هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر
خلاف الصحابة في هذه القصة، وهي حجة داحضة واهية، لأنه ليس في الحديث إلا
أنه لم يعنف واحدا منهم، وهذا يتفق تماما مع حديث الاجتهاد المعروف، وفيه
أن من اجتهد فأخطأ فله أجر واحد، فكيف يعقل أن يعنف من قد أجر؟! وأما حمل
الحديث على الإقرار للخلاف فهو باطل لمخالفته للنصوص القاطعة الآمرة بالرجوع
إلى الكتاب والسنة عند التنازع والاختلاف، كقوله تعالى: " فإن تنازعتم في
شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرا
وأحسن تأويلا ". وقوله " وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله
أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم " الآية. وإن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس
يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام، فإذا دعوا إلى التحاكم إليه قالوا: قال عليه
الصلاة والسلام: " اختلاف أمتي رحمة "! وهو حديث ضعيف لا أصل له كما تقدم
تحقيقه في أول هذه السلسلة، وهم يقرؤون قول الله تعالى في المسلمين حقا: "
إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا
وأطعنا وأولئك هم المفلحون ". وقد بسط القول في هذه المسألة بعض الشيء،
وفي قول أحد الدعاة: نتعاون على ما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضا فيما
اختلفنا فيه، في تعليق لي كتبته على رسالة " كلمة سواء " لأحد المعاصرين لم
يسم نفسه! لعله يتاح لي إعادة النظر فيه وينشر.