بالتحديث
، لولا جهالة الذين حدثوا محمودا بالحديث عن عبد الله بن جعفر، وتكذيب هذا
إياهم، ومع كونه ليس صريحا بأنهم كلهم تلقوه عنهم مباشرة، ولم يأخذه بعضهم
عن بعض.
أقول هذا، لأنهم لوأخذوه عنه مباشرة؛ لم تضرهم الجهالة، لكونهم جماعة،
ومن التابعين، ولم يضرهم أيضا التكذيب المذكور، لأنه يحتمل أن عبد الله بن
جعفر بعد أن حدث بالحديث نسيه، وحفظه أولئك عنه، وله أمثلة قد ذكرت بعضها
في كتب المصطلح، وألف في ذلك الخطيب البغدادي كتابا خاصا، لا سيما
وعبد الله بن جعفر رضي الله عنه استند في التكذيب على صنيع عمر، وليس فيه ما
يوجب تكذيب الحديث - لوثبت - لأمرين اثنين:
الأول: أنه موقوف، والحديث مرفوع، والترجيح في هذه الحالة للمرفوع، ولا
عكس.
والآخر: أن الموقوف يحمل على قوة التوكل والاعتماد على الله كما في حديث "
كل ثقة بالله وتوكلا على الله "، قاله للمجذوم، وأكل معه في قصعة واحدة،
وإن كان إسناده ضعيفا كما بينته فيما تقدم (١١٤٤) .
ويؤيد ما ذكرنا أنه قد صح قوله صلى الله عليه وسلم: " فر من المجذوم فرارك من
الأسد " كما بينته في " الصحيحة " (٧٨٣) ، فإن لم يحمل فعل عمر على ما ذكرنا
؛ تضارب مع هذا الحديث الصحيح، فإن لم يوفق بينهما بنحوما ذكرنا، فالحجة مع
الحديث كما لا يخفى، وهو شاهد قوي في المعنى لحديث الترجمة، لولا أن فيه
زيادة في اللفظ، ألا وهو قوله:
" إذا هبط واديا، فاهبطوا غيره ".