قلت: فرجع الأثر إلى عن أبي حنيفة، وقد أشار إلى ذلك الحافظ الجورقي عقب الحديث وقال:"وأبو حنيفة متروك الحديث". ومن شاء استيعاب أقوال حفاظ الأئمة فيه فليرجع إلى ما تقدم ذكره تحت الحديث (٤٥٨) ؛ فإنك ستعلم حينئذ مبلغ تعصب ابن التركماني في قوله تحت هذا الأثر في "الجوهر النقي":
"وإن ضعفوا هذا الأثر من أجل أبي حنيفة، فهو وإن تكلم فيه بعضهم، فقد وثقه كثيرون، وأخرج له ابن حبان في "صحيحه"، واستشهد به الحاكم في "المستدرك"، ومثله في دينه وورعه وعلمه لا يقدح فيه كلام أولئك"!
قلت: هذا تعطيل لعلم الجرح تعصباً للإمام؛ فإن الجرح لا ينظر فيه إلى دين المجروح وورعه وعلمه، وإنما إلى حفظه وضبطه لرواياته بعد أن تثبت عدالته، ولا شك عندي في عدالته، ولكن الضبط والحفظ شيء آخر، وهذا ما لم يعرف به الإمام رحمه الله، بل عرف بنقيضه.
ومن التعصب وقلب الحقائق أنه أشار إلى تقليل عدد المتكلمين فيه بقوله:"بعضهم"، وكثرة الموثقين، والحقيقة على العكس من ذلك تماماً، كما يشهد بذلك ما ذكرته تحت الحديث المشار إليه آنفاً.
وأما قوله:"واستشهد به الحاكم"؛ فهو إذا صح عليه لا له؛ لأن الاستشهاد بالراوي غير الاحتجاج به كما هو مقرر في هذا العلم الشريف.
وأما قوله:"وأخرج له ابن حبان في صحيحه"؛ فهو مدسوس في نقدي، وإن صح فيكون على سبيل الاستشهاد لا الاحتجاج (١) ، والدليل على ذلك أن
(١) ثم تأكدت من دس ذلك بأمور كثيرة، منها: أن أحدا ممن ترجم له رحمه الله لم يذكر ذلك، ولم يرد له ذكر في فهرس " صحيح ابن حبان / الإحسان " طبع المؤسسة، ولا ادعى ذلك أحد من المتعصبة غير ابن التركماني عفا الله عنا وعنه.