انتهيت إلى ابن عباس - رضي الله عنهما - وهو متوسد رداءه في زمزم، فقلت: أخبرني عن صوم عاشوراء، فقال: إذا رأيت هلال المحرم؛ فاعدد، وأصبح يوم التاسع صائماً. قلت: هكذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم؟ قال: نعم.
قال الشوكاني رحمه الله تعالى (٤/ ٢٠٦) :
"أرشد ابن عباس السائل له إلى اليوم الذي يصام فيه، وهو التاسع، ولم يجب عليه بتعيين يوم عاشوراء أنه اليوم العاشر؛ لأن ذلك مما لا يسأل عنه، ولا يتعلق بالسؤال عنه فائدة، فابن عباس لما فهم من السائل أن مقصوده تعيين اليوم الذي يصام فيه؛ أجاب عليه بأنه التاسع. وقوله "نعم" بعد قول السائل: أهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم؟ بمعنى: نعم هكذا كان يصوم لو بقي؛ لأنه قد أخبرنا بذلك، ولا بد من هذا؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - مات قبل صوم التاسع".
قلت: وهذا أحسن ما قيل في تأويل قول ابن عباس هذا، وبه تجتمع الأحاديث ويزول التعارض الظاهر منها.
ومما يؤكد أن يوم عاشوراء هو العاشر حتى عند ابن عباس نفسه؛ هو سبب ورود حديث ابن عمير المتقدم؛ فقد أخرج مسلم من طريق أخرى عن ابن عباس قال:
حين صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم عاشوراء،وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله! إنه يوم تعظمه اليهود والنصاري، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "فإذا كان العام المقبل - إن شاء الله - صمنا اليوم التاسع". قال: فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
فهذا نص من ابن عباس على أن التاسع هو غير عاشوراء، فثبت بطلان حديث الترجمة. والله أعلم.