واعلم أن هذا الحديث قد أنكره الإمام أبو جعفر الطحاوي من حيث المعنى؛ فإنه قال في "مشكل الآثار"(١/ ٣٩٧-٣٩٨) :
"قال أبو عبيد: القراءة التي سمعتها في الريح والرياح أن ما كان منها من الرحمة فإنه جمع، وما كان منها من العذاب فإنه على واحدة. قال: والأصل الذي اعتبرنا به هذه القراءة حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - "أنه كان إذا هاجت الريح قال: اللهم اجعلها رياحاً ولا تجعلها ريحاً"، فكان ما حكاه أبو عبيد من هذا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مما لا أصل له، وقد كان الأولى به لجلالة قدره ولصدقه في روايته غير هذا الحديث أن لا يضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما لا يعرفه أهل الحديث عنه.
ثم اعتبرنا في كتاب الله تعالى مما يدل على الواحد في هذا المعنى؛ فوجدنا الله تبارك وتعالى قد قال في كتابه العزيز:(هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان)[يونس: ٢٢] ، فكانت الريح الطيبة من الله تعالى رحمة، والريح العاصف منه عز وجل عذاباً. ففي ذلك ما قد دل على انتفاء ما رواه أبو عبيد مما ذكره".
ثم ذكر بعض الأحاديث التي تشهد لما تضمنته الآية الكريمة، وترد على أبي عبيد رحمه الله، فانظر "تخريج الكلم الطيب"(١٥٣) وغيره.
ثم رأيت الحديث في كتاب "الأم" للإمام الشافعي بإسناد آخر عن عكرمة، فقال (١/ ٢٢٤) : أخبرني من لا أتهم قال: حدثنا العلاء بن راشد، عن عكرمة به.
قلت: وهذا أيضاً ضعيف جداً؛ العلاء بن راشد؛ قال الحسيني في ترجمته:
"عن عكرمة، وعنه إبراهيم بن أبي يحيى، لا تقوم به حجة".