الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "من جاء منكم الجمعة؛ فليغتسل"؛ فإنه متفق عليه من حديث عمر وابنه عبد الله وغيرهما بألفاظ متقاربة، وهو مخرج في "صحيح أبي داود"(٣٦٧) .
والحديث الآخر لفظه:"من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل أفضل". هكذا روي عن جمع من الصحابة منهم أنس نفسه، بأسانيد ثلاثة: عن يزيد الرقاشي، وثابت البناني، والحسن البصري؛ ثلاثتهم عن أنس به.
أخرجه عنهم الطحاوي وغيره، وطرقه يقوي بعضها بعضاً، وهي مخرجة في "صحيح أبي داود" أيضاً برقم (٣٨٠) .
فجاء هذا الكذاب (أبان) ؛ فرواه باللفظ المذكور أعلاه:
"من اغتسل فبها ونعمت، ومن لم يغتسل فلا حرج".
فجعل لفظه صريح الدلالة في عدم وجوب غسل الجمعة! وليس هذا فحسب، بل إنه ربط بينه وبين الحديث الأول:"من جاء منكم الجمعة؛ فليغتسل" - وهو ظاهر على وجوب الغسل -؛ فربط بينهما بجملة الشتاء والسؤال، بحيث يدل الجواب على أن الحديث الأول منسوخ قطعاً.
ولذلك؛ استدل به للحنفية الحافظ الزيلعي في "نصب الراية"(١/ ٨٨) على أن أحاديث الوجوب منسوخة! فإنه ساقه من طريق ابن عدي كما سقناه، ثم عقب عليه بقوله:
"إلا أن هذا سند ضعيف يسد بغيره"!
كذا فيه:"يسد" بالسين المهملة؛ أي: يصلح، ولعله:"يشد" بالمعجمة، وسواء كان هذا أو ذاك؛ فإن القلب يشهد بأن في العبارة تحريفاً من بعض الناسخين