- مع بطلانه في نفسه عندنا - ما داموا هم أنفسهم لا يأخذون به إلا مع تأويله أيضاً؟! ، ذلك لأنهم قد أورد عليهم أهل السنة حقاً أن تأويل الاستواء بالاستيلاء؛ معناه: أنه لم يكن مستولياً عليه من قبل، لا سيما بملاحظة الآية التي فيها:(ثم استوى على العرش) ؛ فإن (ثم) تفيد التراخي كما هو معلوم، وهذا التأويل مما لا يقول به مسلم؛ لأنه صريح في أن الله لم يكن مستولياً عليه سابقاً؛ بل كان مغلوباً على أمره، ثم استولى عليه! لا سيما وهم يستشهدون بذاك الشعر:
قد استوى بشر على العراق * * * بغير سيف ولا دم مهراق!
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً!
فلما أورد هذا عليهم؛ انفكوا عنه؛ فقال بعض متأخريهم - كما نقله هذا الأزهري (ص ٢٥) -:
"ولكن لا يخفى عليك الفرق بين استيلاء المخلوق واستيلاء الخالق"!
وقال الكوثري في تعليقه على "الأسماء"(ص ٤٠٦،٤١٠) :
"ومن حمله على معنى الاستيلاء؛ حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة"!
فأقول: إذا جردتم "الاستيلاء" من معنى المغالبة؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما تدل عليه البيت المشار إليه، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه؛ فهلا قلتم كما قال السلف:"استوى: استعلى"؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى؛ كالمكان، والاستقرار، ونحو ذلك، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق؛