الأول: أنه ليس صريحاً في نفي السترة مطلقاً؛ كما تقدمت الإشارة إلى ذلك
في أول هذا التخريج، وإنما هو ينفي سترة الجدار بخاصة، ولذلك؛ لما روى البيهقي (٢ / ٢٧٣) عن الإمام الشافعي قوله:
((قول ابن عباس: ((إلى غير جدار)) يعني - والله أعلم - إلى غير سترة)) .
فتعقبه ابن التركماني بقوله:
((قلت: لا يلزم من عدم الجدار عدم السترة (١) ، ولا أدري ما وجه الدليل في
رواية مالك على أنه صلى إلى غير سترة)) .
قلت: ويؤيده صنيع البخاري؛ فإنه ترجم للحديث بقوله:
((باب سترة الإمام سترة من خلفه)) .
فهذا يعني أن الإمام البخاري لم يفهم من الحديث نفي السترة، ووجه الحافظ بقوله (١ / ٥٧١ - ٥٧٢) :
وكأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه. ثم أيّد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة. وفي حديث ابن عمر ما يدل على المداومة، وهو قوله بعد ذكر الحربة:((وكان يفعل ذلك في السفر)) ، وقد تبعه النووي فقال في ((شرح مسلم)) في كلامه على فوائد هذا الحديث: فيه أن سترة الإمام سترة لمن خلفه. والله أعلم)) . والوجه الآخر: أن قول ابن عباس في هذا الحديث: ((إلى غير جدار)) ؛ قد اختلف الرواة عن مالك فيه، فمنهم من ذكره عنه، ومنهم من لم يذكره، وها أنا
(١) وكذا قال ابن دقيق العيد في ((شرح عمدة الأحكام)) (٢ / ٤٥٨) .