قلت: وهذا الحديث مع كونه من بلاغاته لم يسنده إلى أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فهو منكر جِدًّا؛ لما فيه من تمثل الشيطان من الجن في صورة سليمان عليه السلام، وإتيانه لنسائه وهن حيض! !
ومن الغريب أنه رويت في ذلك آثار كثيرة موقوفة في فتنة سليمان عليه وعلى
أبيه السلام فسّروا بها قوله تعالى: (ولقد فتنّا سليمان وألقينا على كرسيّه جسداً
ثم أناب! ، فقيل: إن الجسد هو هذا الشيطان، جلس على كرسي سليمان يحكم بين الناس أَيَّامًا وهم لا يشعرون أنه شيطان، حتى رابهم منه شيء وكان أخذ خاتم سليمان من إحدى زوجاته، وكان ملكه في خاتمه، فلما وضعه في يده؛ خضع له الإنس والجن، فلما رابهم أمره؛ ساعيوا نساءه عنه؛ فأجبن بما في الحديث أنه يأتيهن في حالة الحيض، فثاروا عليه، فهرب وسقط منه الخاتم في البحر، فالتقمته سمكة، فوقعت في يد سليمان الذي كان خرج إلى ساحل البحر ليعتاش! فلما شق بطنها؛ وجد الخاتم، فوضعه في إصبعه، فعاد إليه ملكه! في قصة طويلة، عزاها السيوطي للنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم، وقوى السيوطي إسنادها تَبَعًا
لابن كثير وابن حجر في " تخريج الكشاف "(٤ / ١٤٢) ! لكن ابن كثير استدرك فقال:
" ولكن الظاهر أنه إنما تلقاه ابن عباس رضي الله عنهما - إن صح عنه - من أهل الكتاب، وفيهم طائفة لا يعتقدون نبوة سليمان عليه الصلاة والسلام، فالظاهر أنهم يكذبون عليه، ولهذا كان في هذا السياق منكرات، ومن أشدها ذكر النساء. وقد رويت هذه القصة مطولة عن جماعة من السلف؛ كسعيد بن المسيّب وزيد بن أسلم وجماعة آخرين، وكلها متلقاة من قصص أهل الكتاب ".