قلت: هذه الكلمة " وبي نصروا " رواها الطبراني من طريق خالد بن سعيد بن العاص عن أبيه عن جده فذكر قصة إرسال النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر إلى بكر بن وائل وعرضه الإسلام عليهم وفيه: قالوا: حتى يجيء شيخنا فلان - قال خلاد:" أحسبه قال: المثنى بن خارجة - فلما جاء شيخهم عرض عليهم أبو بكر رضي الله عنه، قال: إن بيننا وبين الفرس حربا فإذا فرغنا مما بيننا وبينها عدنا فنظرنا، فقال أبو بكر:
أرأيت إن غلبتموهم أتتبعنا على أمرنا؟ قال: لا نشترط لك هذا علينا، ولكن إذا فرغنا فيما بيننا وبينهم عدنا فنظرنا فيما نقول، فلما التقوا يوم ذي قار هم والفرس قال شيخهم: ما اسم الرجل الذي دعاكم إلى الله؟ قالوا: محمد، قالوا: هو شعاركم فنصروا على القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بي نصروا. قال الهيثمي (٦ / ٢١١) : " ورجاله ثقات رجال الصحيح غير خلاد بن عيسى وهو ثقة ".
(تنبيه) : بلغ جهل بعض الناس بالتاريخ والسيرة النبوية في هذا العصر أن أحدهم طبع منشورا يرد فيه على صديقنا الفاضل الأستاذ علي الطنطاوي طلبه من الإذاعة أن تمتنع من إذاعة ما يسمونه بالأناشيد النبوية، لما فيها من وصف جمال النبي صلى الله عليه وسلم بعبارات لا تليق بمقامه صلى الله عليه وسلم، بل فيها ما هو أفظع من ذلك من مثل الاستغاثة به صلى الله عليه وسلم من دون الله تبارك وتعالى، فكتب المشار إليه في نشرته ما نصه بالحرف (ص ٤) : " وها هي (!) الصحابة الكرام رضي الله عنهم كانوا يستصحبون بعض نسائهم لخدمة أنفسهم في الغزوات والحروب، وكانوا يضمدون (!) الجرحى ويهيئون (!) لهم الطعام، وكانوا يوم ذي قار عند اشتداد وطيس الحرب بين الإسلام والفرس كانت النساء تهزج أهازيج وتبعث الحماس في النفوس بقولها: إن تقبلوا نعانق ونفرش النمارق. أو تدبروا نفارق فراق غير وامق. فانظر إلى هذا الجهل ما أبعد مداه! .
فقد جعل المعركة بين الإسلام والفرس، وإنما هي بين المشركين والفرس، ونسب النشيد المذكور لنساء المسلمين في تلك المعركة! وإنما هو لنساء المشركين في غزوة أحد! كن يحمسن المشركين على المسلمين كما هو مروي في كتب السيرة! فقد خلط بين حادثتين متباينتين، وركب منهما ما لا أصل له البتة بجهله أو تجاهله ليتخذ من ذلك دليلا على جواز الأناشيد المزعومة، ولا دليل في ذلك - لوثبت - مطلقا إذ أن الخلاف بين الطنطاوي ومخالفيه ليس هو مجرد مدح النبي بل إنما هو فيما يقترن بمدحه مما لا يليق شرعا كما سبقت الإشارة إليه وغير ذلك مما لا مجال الآن لبيانه، ولكن صدق من قال:" حبك الشيء يعمي ويصم " فهؤلاء أحبوا الأناشيد النبوية وقد يكون بعضهم مخلصا في ذلك غير