قلت: وفي هذا القول تساهل كبير، ما كنت أود له أن يصدر منه؛ لشدة
ضعف الإسنادين، فإن الحديث المشار إليه فيه رجلان يضعان الحديث، وقد اغتر
بمثل هذا التساهل بعض العلماء المتأخرين؛ فقوى به حديث أبي رافع الضعيف
إسناده - كما بينت هناك -، ولو أنه علم شدة ضعفه؛ ما قواه ... لأن الشديد
الضعف لا ينفع في الشواهد باتفاق العلماء.
ومثله حديث الترجمة هذا: فإن الحسن بن عمرو (الأصل: عمر) السدوسي
متروك - كما في "التقريب " -، وكذبه ابن المديني والبخاري.
ومحمد بن يونس - وهو: الكديمي؛ وهو - كذاب وضاع، وتقدمت له أحاديث،
فراجع فهارس الرواة المترجم لهم في المجلدات المطبوعة.
ولقد أصابني مثل أو نحو ما أصاب ذلك البعض من الاغترار بتساهل
البيهقي هذا؛ فإني قويت أو كدت أن أقوِّي حديث أبي رافع المشار إليه بحديث
الترجمة هذا، فإني ذكرته كشاهد له، وقد نقلت عقبه عن ابن القيم قول البيهقي
المذكور في تضعيف الإسنادين، وقلت عقبه ما نصه:
"قلت: فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن بحيث أنه يصلح
شاهداً لحديث أبي رافع. والله أعلم ".
ومع أنني تحفظت في الاستشهاد به، فقد غلب علي الثقة بقول البيهقي
المذكور، فحسنت حديث أبي رافع به في "الإرواء" (٤/٤٠٠/١١٧٣) ، والآن
وقد طبع - والحمد لله - كتاب البيهقي: "الشعب "، ووقفت فيه على إسناده،
وتبين لي شدة ضعفه؛ فقد رجعت عن التحسين المذكور، وعاد حديث أبي رافع
إلى الضعف الذي يقتضيه إسناده، وهذا مثال من عشرات الأمثلة التي
تضطرني إلى القول بأن العلم لا يقبل الجمود، وأن أستمر على البحث والتحقيق