ابن القطان الآتي أن عبد الحق كان ساق الحديث بسند أبي داود، فإنه قال:
"فإنه عهد فيما هو صحيح، بل فيما هو حسن، بل فيما هو ضعيف من
الترغيب يكتبها مقتصراً على صحابيها، فمتى ذكر حديثاً بسنده، فقد
عرَّضه لنظرك، وتبرأ لك من عهدته. وليس هذا الحديث عندي بضعيف، بل هو
صحيح، فقد كان يجب أن يذكره بغير إسناد. والنعمان - هو: ابن أبي شيبة
الجَنَدي الصنعاني - ثقة مأمون كيس، وإبراهيم بن عمر الصنعاني ثقة أيضاً،
وسائرهم لا يسأل عنه،فاعلم ذلك "!
ومن الواضح أن ابن القطان توهم أن إبراهيم هذا هو ابن كيسان الثقة - لما
تقدم -، وبخاصة أن من مذهبه أن المستور ومجهول الحال لا يحتج به بحال - كما
ذكر ذلك في أماكن عديدة من كتابه -، فهو الذي وقع في (الوهم) وليس عبد الحق.
وفي قوله: "فمتى ذكر حديثاً بسنده ... وتبرأ لك من عهدته " فائدة مهمة
طالما كنا ولا نزال نلفت نظر القراء إليها ونقول:
إنه لا يلزم من سكوت المؤلف على حديث ما ساقه بسنده أنه قوي عنده،
كلا، فإن ذِكْرَه لإسناده يعني بلسان الحال - ولسان الحال أنطق من لسان المقال -:
انظر فيه لتتبين أصحيح هو أم لا؟ وهذا ما يغفل عنه كثير [من] المؤلفين اليوم،
وفيهم بعض الدكاترة، فيتوهمون من السكوت عن السند الصحة! وهذا مما يقع فيه
كثيراً الشيخان الحلبيان اللذان اختصرا "تفسير ابن كثير"، فإنهما قد صححا كثيراً
من أحاديث "التفسير" في "مختصريهما"، وطالما نبهت على الكثير من أحاديثهما
الضعيفة في هذه "السلسلة" وغيرها، وهذا الحديث بالذات من تلك الأحاديث
التي أوردها الشيخ نسيب الرفاعي في "مختصره" (٢/٨٣) مغتراً بسكوت ابن كثير
عليه، مع أنه ساقه بإسناد أبي داود بتمامه قائلاً: