"وقال عقبه: قال محمد فِي حَدِيثِه: "وكلتا يديه يمين"، وروايته لم يذكر
فيها هذه اللفظة، وهذه منه إشارة إلى تصرف الرواة في متن الحديث"!
فأقول: هذا افتراء على الإمام النسائي، فهو إنما يشير بذلك إلى اختلاف شيخيه
في هذه الزيادة، فمحمد - وهو:ابن آدم - ذكرها في الحديث، وشيخه الآخر - وهو:
قتيبة بن سعيد - لم يذكرها فيه. والروايتان مدارهما على سفيان بن عيينة، وإنما يفعل
ذلك النسائي وغيره من الحفاظ المحققين تبصيراً لقرائهم، ليتحروا الصواب من اختلاف
الشيوخ، وليس إشارة منه إلى تصرف الرواة - كما زعم الأفاك (السخاف) ! -.
فالباحث المنصف حين يجد مثل هذا الخلاف لا يندفع ليأخذ منه ما يوافق هواه
- كما يفعل هذا (السخاف) -، وإنما يسلم هواه لما تقتضيه القواعد العلمية التي لا مرد
لها، والذي يرد منها هنا قاعدتان: زيادة الثقة مقبولة، أو: الزيادة الشاذة مرفوضة.
وفي ظني أن الأفاك يعلم - ولو أننا نعتقد أنه ليس من أهل العلم - أن القاعدة
الثانية هنا غير واردة، لأنه رأى الحديث بعينه في "صحيح مسلم" وفيه الزيادة،
وقد رواها عن ثلاثة من كبار شيوخه الحفاظ عن شيخهم سفيان بن عيينة، وهم:
أبو بكر بن أبي شيبة، وزهير بن حرب، وابن نمير، فإذا ضم إليهما الإمام عبد الله
ابن المبارك من رواية النسائي عن محمد بن آدم، فهؤلاء أربعة اتفقوا على هذه
الزيادة، فلا مناص حينئذ - عند من ينصف - من تطبيق القاعدة الأولى، وهي:
زيادة الثقة مقبولة.
فليتأمل القراء في تدجيل هذا السخاف كيف نصب الخلاف بين شيخي
النسائي، وتجاهل متابعة الحفاظ الثلاثة لمحمد بن آدم في الزيادة؟!!
ثم مضى في تدجيله - مؤيداً تدجيله السابق -، فقال:
"ويؤيد ذلك رواية الحاكم وأحمد ... ".