قلت: وكأن الحافظ رحمه الله اعتمد على ما وصفه به من الصدق في
"تقريبه"، فاعتبر الحديث صالحاً للاستشهاد به، بل إنه قد صرح بتقويته في
مكان آخر من "تلخيصه"، فقال في (الصيام) منه (٢/٢٠٢) :
"فائدة: روى الطبراني بإسناد جيد عن عبد الرحمن بن غنم قال: سألت
معاذ بن جبل: أأتسوك وأنا صائم ... " الحديث.
فأقول تجويده لهذا الإسناد بناء على رأيه المتقدم في بكر بن خنيس
محتمل، ولكنه غفل عن علته الحقيقية، وهي: أبو عبد الرحمن شيخ بكر الذي
لم يسم، فقد قال الذهبي في "كنى الميزان".
"أبو عبد الرحمن الشامي عن عبادة بن نسي، قال الأزدي: كذاب. قلت:
لعله المصلوب ". وأقره الحافظ في "اللسان".
قلت: وهو: محمد بن سعيد بن حسان بن قيس الأسدي، صلبه المنصور على
الزندقة، وضعف أربعة آلاف حديث، قلبوا اسمه على مائة وجه ليخفى! له ترجمة
مبسطة في "التهذيب"، وكذا في "تاريخ ابن عساكر" (١٥/٣٥٦ - ٣٦٤) ، وقال
في آخرها:
"وقال أحمد بن حنبل: بكر بن خنيس ليس به بأس، إنما روى عن رجل
صلب يقال له: أبو عبد الرحمن الدمشقي، واسمه محمد بن سعيد".
فإذن علة هذه الفائدة التي زعمها الحافظ (أبو عبد الرحمن) هذا، الكذاب
المصلوب في الزندقة، فالعجب كيف خفي ذلك على الحافظ، وعلى من اتبعه؟!
ولقد كنت واحداً من هؤلاء حين نقلت عنه في كتابي "الإرواء" (١/١٠٦ - ١٠٧)
تجويده لإسناده، وعذري في ذلك أن "معجم الطبراني" لم يكن يومئذ مطبوعاً، ولا