وهذا الوصف إنما ينطبق على الملائكة أو الجن، لأنهم الذين لا نراهم عادة، وقد جاء في حديث آخر تعيين أنهم طائفة من الملائكة. أخرجه البزار عن ابن عباس بلفظ:
" إن لله تعالى ملائكة في الأرض سوى الحفظة يكتبون ما يسقط من ورق الشجر، فإذا أصابت أحدكم عرجة بأرض فلاة فليناد: يا عباد الله أعينوني ".
قال الحافظ كما في " شرح ابن علان "(٥ / ١٥١) : " هذا حديث حسن الإسناد غريب جدا، أخرجه البزار وقال: لا نعلم يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ إلا من هذا الوجه بهذا الإسناد ".
وحسنه السخاوي أيضا في " الابتهاج " وقال الهيثمي: " رجاله ثقات ". قلت: ورواه البيهقي في " الشعب " موقوفا كما يأتي.
فهذا الحديث - إذا صح - يعين أن المراد بقوله في الحديث الأول " يا عباد الله " إنما هم الملائكة، فلا يجوز أن يلحق بهم المسلمون من الجن أو الإنس ممن يسمونهم برجال الغيب من الأولياء والصالحين، سواء كانوا أحياء أو أمواتا، فإن الاستغاثة بهم وطلب العون منهم شرك بين لأنهم لا يسمعون الدعاء، ولوسمعوا لما استطاعوا الاستجابة وتحقيق الرغبة، وهذا صريح في آيات كثيرة، منها قوله تبارك وتعالى:
(والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير، إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم، ولوسمعوا ما استجابوا لكم، ويوم القيامة يكفرون بشرككم، ولا ينبئك مثل خبير)(فاطر ١٣ - ١٤) .
هذا، ويبدو أن حديث ابن عباس الذي حسنه الحافظ كان الإمام أحمد يقويه، لأنه قد عمل به، فقال ابنه عبد الله في " المسائل "(٢١٧) : " سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج منها ثنتين [راكبا] وثلاثة ماشيا، أو ثنتين ماشيا وثلاثة راكبا، فضللت الطريق في حجة وكنت ماشيا، فجعلت أقول:(يا عباد الله دلونا على الطريق!) فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق.
أو كما قال أبي، ورواه البيهقي في " الشعب " (٢ / ٤٥٥ / ٢) وابن عساكر (٣ / ٧٢ / ١) من طريق عبد الله بسند صحيح. وبعد كتابة ما سبق وقفت على إسناد البزاز في " زوائده " (ص ٣٠٣) : حدثنا موسى بن إسحاق: حدثنا منجاب بن الحارث: حدثنا حاتم بن إسماعيل عن أسامة بن زيد [عن أبان] ابن صالح عن مجاهد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: فذكره.
قلت: وهذا إسناد حسن كما قالوا، فإن رجاله كلهم ثقات غير أسامة بن زيد وهو الليثي وهو من رجال مسلم، على ضعف في حفظه، قال الحافظ في " التقريب ": " صدوق يهم ".
وموسى بن إسحاق هو أبو بكر الأنصاري ثقة، ترجمه الخطيب البغدادي في " تاريخه " (١٣ / ٥٢ - ٥٤) ترجمة جيدة.