ثم ذكر رواية أبي السفر وأبي إسحاق عنه، وأتبعهما بحديث الترجمة، ثم قال:
" قال الحازمي: إسناده ليس بذاك، ولو صح، فهو منسوخ ". فتعقبه بقوله:
" قلت: لو ثبت النسخ عند البراء ما لبسه بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روي النهي المتفق على صحته عنه، فالجمع بين روايته وفعله، إما بأن يكون حمله على التنزيه، أو فهم الخصوصية له من قوله: " البس ما كساك الله ورسوله "، وهذا أولى من قول الحازمي: " لعل البراء لم يبلغه النهي "، ويؤيد الاحتمال الثاني أنه وقع في رواية أحمد: كان الناس يقولون للبراء: لم تتختم بالذهب وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيذكر لهم هذا الحديث، ثم يقول: كيف تأمرونني أن أضغ ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البس ما كساك الله ورسوله) !! ".
قلت: حديث البراء المتفق على صحته الذي أشار إليه الحافظ هو قوله رضي الله عنه:
" نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن سبع: نهى عن خاتم الذهب ... " إلخ، وهذا لفظ البخاري في (كتاب اللباس)(٥٨٦٣) ، وهذه القطعة منه مخرجة في " آداب الزفاف "(٢١٤) ، وهو من رواية معاوية بن سويد بن مقرن عنه عندهما، ولم يذكر البراء تصريحه بسماعه إياه من النبي صلى الله عليه وسلم، فيحتمل أن يكون تلقاه عن
بعض الصحابة، فقد كان بعضهم يروي عن بعض، ومن هنا كان ما يعرف بـ (مراسيل الصحابة) وأنها حجة. فإذا صح هذا الاحتمال، سقط تعقب الحافظ، لأنه يقال: فعله قبل أن يسمع النهي عن بعضهم، ثم رواه عنه صلى الله عليه وسلم دون أن يصرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وسلم، فطاح الإشكال إن شاء الله تعالى.