والأخرى ظاهرة أيضاً في رواية (يزيد بن هارون) و (إبراهيم بن سعد) ، وهي عنعنة ابن إسحاق؛ فقد كان مدلساً معروفاً بذلك، إلا أنه قد صرح بالتحديث في رواية "السيرة "، لكنها من رواية (زياد بن عبد الله البكائي) عنه، وهو مختلف فيه، وثبته بعضهم في روايته عن ابن إسحاق في (المغازي) ، وهذه منها، فهو حجة فيها لولا المخالفة للثقتين المذكورين، فإن سلمت من التدليس؛ فما هي بسالمة من الإرسال. والله أعلم.
وإذا ثبت ضعف إسناد الحديث، فقد جاء دور بيان نكارة متنه، فإن قوله:
" حاسراً " يعني: ليس على بدنه درع ولا مغفر - كما في " النهاية " -، فمن المستبعد جداً أن يحضر النبي صلى الله عليه وسلم من كان عليه درع أن ينزعها؛ وأن يقاتل العدو حاسراً، فإن هذا ينافي كل المنافاة مبدأ الأخذ بأسباب الوقاية الممكنة، والإعداد المأمور به في الآية الكريمة:{وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} ، كما ينافي سنة
النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته العملية في الجهاد، وقتاله للأعداء، مع كونه أشد الناس شجاعة وتوكلاً على الله، فقد صح عنه أنه كان يضع البيضة (الخوذة) على رأسه. (البخاري: ٢ ٠ ٢٩) وأنه هشمت على رأسه يوم أحد. (البخاري: ٢٩١١) ، كما صح (فيه: ٢٩٠١) أنه تترس بالترس، وأنه تدرع بالدرع يوم أحد. (٢٩١٥) بل ثبت في " السنن" أنه تظاهر فيه بين درعين. (صحيح أبي داود: ٢٣٣٢) ،
ودخل مكة يوم الفتح وعليه مغفر. متفق عليه (مختصر الشمائل: رقم ٩١) .
وليس هذا فقط؛ بل صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه استعار من صفوان بن أمية مئة درع وما يصلحها من عدتها. (الإرواء: ٥/ ٣٤٥) . وهذا من اهتمامه بالأخذ بالأسباب، والمحافظة على حياة المجاهدين معه صلى الله عليه وسلم.
فليس من المعقول - إذن - أن يصدر منه صلى الله عليه وسلم الحض على مخالفة هديه صلى الله عليه وسلم،