ومن الغرائب أن يغتر بتوثيق الواقدي بعض متعصبة الشافعية، ما سبب ذلك إلا غلبة الأهواء، والجهل بهذا العلم على كثير من الكتاب كالدكتور البوطي الذي اعتمد على روايات الواقدي وصححها في كتابه " فقه السيرة
"، كما تراه مفصلا في ردي عليه في رسالة مطبوعة، فليراجعها من شاء.
وقد قصر الكلام على الحديث بعض الأئمة! فأعله الهيثمي في " المجمع "(١٠ / ٣٦٠) بالواقدي فقط، فقال:" وهو ضعيف جدا ". ونقله عنه المناوي في " الفيض " بإسقاط لفظ " جدا "! وأغرب منه قول الحافظ السخاوي في " المقاصد "(٢٠٦) :
" ورجاله موثقون، إلا أنه نقل عن الدارقطني في شعيب أنه متروك، والأكثر على قبوله ". قلت: وهذا قصور فاحش من مثل هذا الحافظ، فكيف يصح إعلال الحديث برجل مختلف فيه ولم يتهم، وفي الطريق إليه كذابان؟! وممن قصر فيه أيضا الشيخ العجلوني في " كشف الخفاء "(١ / ٢١٣) ، فإنه نقل كلام السخاوي باختصار، وأقره! ولا عجب في ذلك فهو في الحديث ناقل مقلد، وليس بالعالم المجتهد.
أقول: وحري بمثل هذا الحديث الباطل أن لا يرويه إلا مثل هذين الكذابين، فإنه حديث خطير يقضي على باب كبير من أبواب التربية والإصلاح في الشرع، ألا وهو باب الوعيد وما فيه من الآيات والأحاديث في إيعاد العصاة من هذه الأمة بالنار الموقدة (التي تطلع على الأفئدة) ، والأحاديث الصحيحة في بيان هذا كثيرة جدا أذكر بعض ما يحضرني الآن منها على سبيل المثال:
١ - " ثلاث لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم: المسبل إزاره والمنان الذي لا يعطي شيئا إلا منة، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ". رواه مسلم عن أبي ذر وهو مخرج في " إرواء الغليل "(٨٩٢) و" تخريج الحلال "(١٧٠) .
٢ - " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم: شيخ زان، وملك كذاب وعائل مستكبر ". رواه مسلم عن أبي هريرة.
٣ - قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة:" حتى إذا فرغ الله من القضاء بين عباده وأراد أن يخرج من النار من أراد أن يخرج ممن كان يشهد أن لا إله إلا الله أمر الله الملائكة أن يخرجوهم، فيعرفونهم بعلامة آثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل من ابن آدم أثر السجود، فيخرجونهم قد امتحشوا "(١) رواه الشيخان عن أبي هريرة. وفي حديث أبي سعيد: فيخرجون خلقا كثيرا قد أخذت النار إلى نصف ساقيه، وإلى ركبتيه و ... ". رواه مسلم.
(١) أي احترقوا، والمحش احتراق الجلد وظهور العظم. كذا في " الفتح ". اهـ.