ذلك؛ وقد كنت نبهت منذ القديم على خطأ القول أن البيهقي لا يورد في كتابه " الشعب " ما كان موضوعاً، في غير ما موضع؛ كالجلد الأول من هذه " السلسلة "، (ص ٥٦٠ - الطبعة الجديدة) وفي غيره كثير، وبينت فيها أن البيهقي من المتساهلين، وكلما ازددت علماً واطلاعاً على كلامه على الأحاديث؛ ازددت يقيناً بذلك، مع الاعتراف بسعة حفظه وعلمه، وأنه خير من شيخه الحاكم في مجال النقد بكثير.
لان من الآثار السيئة للتساهل المذكور، وعدم إعطاء الحديث أو راويه حقه من النقد الصحيح؛ أنه قد لا يتيسر لبعض الباحثين الوقوف على إسناد الحديث الذي تساهل بعض المتقدمين في نقده فضعفه، وهو شديد الضعف أو موضوع، فيعتمد الباحث على تضعيفه، ويستشهد به لحديث آخر ضعيف ويقويه! وهذا ما وقع للشيخ المباركفوري رحمه الله؛ فقوى حديث أبي رافع في الأذان في أذن المولود بحديث أم الصبيان، وهو موضوع مخرج برقم (٣٢١) ، وعذره أنه اعتمد في أنه ضعيف على حكم البيهقي، ولم يتيسر له الوقوف على إسناده، وهذا مما لا ينجو منه أحد من كبار الحفاظ فضلاً عن أمثالنا من المتأخرين، فوقع في الخطأ الشنيع، وهو تقوية الضعيف بالموضوع الذي لا يجوز باتفاق العلماء!
وقد وقع لي مثله؛ فقد كنت قويت أيضاً في " الإرواء "(٤/ ٤٠٠ - ٤٠١) حديث أبي رافع بحديث آخر اغتراراً أو ثقة بتضعيف البيهقي اياه، لأني لم أكن يومئذ قد اطلعت على إسناده، فلما وقفت عليه؛ وجدت فيه (محمد بن يونس الكديمي) الكذاب! وغيره! فتراجعت عن التقوية، وبادرت إلى بيان هذه الحقيقة بتخريج الحديث، والكشف عن تساهل البيهقي فيما سبق من هذه " السلسلة " برقم (٦١٢١) . والله المستعان.