للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

فهؤلاء ثمانية من الثقات وكلهم أئمة أثبات، لاسيما وفيهم يحيى القطان الحافظ المتقن لوأن بعضهم خالفوا ابن الجعد لكان كافيا في الجزم بوهمه في نسبته (الأصحاب) إلى الرسول صلى الله عليه وسلم لا إلى معاذ، فكيف بهم مجتمعين؟! ومثل هذا لا يخفى على الكوثري، ولكنه يتجاهل ذلك عمدا لغاية في نفسه، وإلا فإن لم تكن رواية ابن الجعد هذه شاذة فليس في الدنيا ما يمكن الحكم عليه بالشذوذ، ولذلك لم يعرج على هذه الرواية كل من ترجم للحارث هذا.

فثبت مما تقدم أن الحارث بن عمرو هو من صغار التابعين، وليس من كبارهم، وقد صرح بسماعه من جابر بن سمرة في رواية الطيالسي في " مسنده " (٢١٦) عن شعبة عنه.

والآخر: هب أنه من كبار التابعين، فذلك لا ينفي عنه جهالة العين فضلا عن جهالة الوصف عند أحد من أئمة الجرح والتعديل، بل إن سيرتهم في ترجمتهم للرواة يؤيد ما ذكرنا، فهذا مثلا حريث بن ظهير من الطبقة الثانية عند الحافظ، وهي طبقة كبار التابعين، فإنه مع ذلك أطلق عليه الحافظ بأنه مجهول. وسبقه إلى ذلك الإمام الذهبي فقال: " لا يعرف ". ومثله حصين بن نمير الكندي الحمصي.

قال الحافظ: " يروي عن بلال، مجهول من الثانية ". ونحوه خالد بن وهبان ابن خالة أبي ذر.

قال الحافظ: " مجهول، من الثالثة ".

٣ - قوله: " ولم ينقل أهل الشأن جرحا مفسرا في حقه ".

قلت: لا ضرورة إلى هذا الجرح، لأنه ليس بمثله فقط يثبت الجرح، بل يكفي أن يكون جرحا غير مفسر إذا كان صادرا من إمام ذي معرفة بنقد الرواة، ولم يكن هناك توثيق معتمر معارض له، كما هو مقرر في علم المصطلح، فمثل هذا الجرح مقبول، لا يجوز رفضه، ومن هذا القبيل وصفه بالجهالة، لأن الجهالة علة في الحديث تستلزم ضعفه، وقد عرفت أنه مجهول عند جمع من الأئمة النقاد ومنهم الإمام البخاري، فأغنى ذلك عن الجرح المفسر، وثبت ضعف الحديث.

٤ - قوله: " ولا حاجة في الحكم بصحة خبر التابعي الكبير إلى أن ينقل توثيق عن أهل طبقته ". فأقول: فيه أمور:

أولا: أن الحارث هذا لم يثبت أنه تابعي كبير كما تقدم فانهار قوله من أصله.

وثانيا: أنه لا قائل بأن الراوي سواء كان تابعيا أو ممن دونه بحاجة إلى أن ينقل توثيقه عن أهل طبقته، بل يكفي في ذلك أن يوثقه إمام من أئمة الجرح والتعديل سواء كان من طبقته أو ممن دونها، فلما كان الحارث هذا لم يوثقه أحد ممن يوثق بتوثيقه بل جهلوه فقد سقط حديثه.

٥ - قوله: " بل يكفي في عدالته.... (إلى قوله) من رجال تلك الطبقة ". قلت: هذه مجرد دعوى، فهي لذلك ساقطة الاعتبار، فكيف وهي مخالفة للشرط الأول من شروط الحديث الصحيح: " ما رواه عدل ضابط ... " فلو سلمنا أن عدالته تثبت بذلك،

<<  <  ج: ص:  >  >>