الثالثة: أن عطاء بن السائب ضعف مطلقا، بعد الاختلاط وقبله. الرابعة: أنه صحيح الرواية قبل الاختلاط، ولكن لا يدرى هل روى هذا الحديث قبل الاختلاط أم بعده. وإذ الأمر كذلك، فلابد من تحقيق القول في هذه العلل كلها، والنظر إليها من زاوية علم الحديث ومصطلحه، وتراجم رواته، ووزنها بميزانها الذي هو القسطاس
المستقيم، فأقول:
١ - هذا الخلاف لا يضر في زاذان فقد وثقه الجمهور من الأئمة الفحول، الذين عليهم العمدة في باب الجرح والتعديل، وحسبك منهم يحيى بن معين، فقد قال فيه:" ثقة لا يسأل عن مثله ". ووثقه أيضا أبو سعد وابن عدي والعجلي والخطيب، وكذا ابن حبان، ولكنه قال:" كان يخطىء كثيرا "!
قلت: وهذا من أفراده وتناقضه، إذ لوكان يخطىء كثيرا لم يكن ثقة! ولعل قول ابن حبان هذا هو عمدة قول الحاكم أبي أحمد فيه:" ليس بالمتين عندهم ". ولا نعلم أحدا تكلم فيه غير هذين، وهو كلام مردود لأنه غير مدعم بالدليل، مع مخالفته لتوثيق من سمينا من الأئمة، وبالإضافة إلى ذلك فقد احتج به مسلم، وأشار الذهبي في أول ترجمته إلى أن حديثه صحيح، وقال الحافظ في " التقريب ": " صدوق ".
٢ - وهذا التعليل واه كالذي قبله، فإن حماد بن سلمة إمام من أئمة المسلمين ثقة حجة ما في ذلك شك ولا ريب، ولا يخرجه من ذلك أن له أوهاما، وإلا فمن الذي ليس له أوهام؟ ! ولوكان الراوي الثقة يرد حديثه لمجرد أوهام له
، لما سلم لنا إلا القليل من جماهير الثقات من رجال الصحيحين فضلا عن غيرهما.
ولذلك جرى علماء الحديث سلفا وخلفا - ومنهم النووي - على الاحتجاج بحديث حماد بن سلمة إلا إذا ثبت وهمه، وهيهات أن يثبت هنا، على أنه قد روي له متابع، وإن كان السند بذلك واهيا كما يأتي.
٣ - إن هذا التضعيف لا حجة عليه، فإن المعروف عند الأئمة أن عطاء بن السائب ثقة في نفسه، لم يصرح أحد منهم بتضعيفه مطلقا، وإنما وصفوه بأنه اختلط في آخر عمره، فمن عرف من الرواة عنه أنه سمع منه قبل الاختلاط فحديثه عنه صحيح، وإلا فلا، أنظر " تهذيب التهذيب " وغيره.
٤ - وهذا التعليل أو الإعلال - كما هو الأصح - هو الذي يمكن التمسك به في تضعيف هذا الحديث، فإنه ليس لدينا ما يصح أن يعتمد عليه في ترجيح أنه حدث به قبل