الاختلاط، وجزم الحافظ ابن حجر رحمه الله بأن حماد بن سلمة قد سمع منه قبل الاختلاط، لا يصح أن يكون مرجحا، ذلك لأن حمادا هذا قد سمع منه بعد الاختلاط أيضا، كما ذكر ذلك الحافظ نفسه في " التهذيب "، فقد قال في آخر ترجمة عطاء بعد أن نقل أقوال العلماء في اختلاطه وفيمن روى عنه في هذه الحالة وقبلها:" فيحصل لنا من مجموع كلامهم أن سفيان الثوري وشعبة وزهير وزائدة وحماد بن زيد وأيوب عنه صحيح، ومن عداهم يتوقف فيهم، إلا حماد بن سلمة فاختلف قولهم، والظاهر أنه سمع منه مرتين، يعني قبل الاختلاط وبعده ". وقال قبيل ذلك:" فاستفدنا من هذه القصة أن رواية وهيب وحماد (يعني ابن سلمة) وأبي عوانة عنه في جملة ما يدخل في الاختلاط ".
قلت: وهذا تحقيق دقيق يجب أن لا ينساه - كما وقع للحافظ نفسه - من يريد أن يكون من أهل التحقيق، ولازم ذلك أن لا يصحح حديث حماد بن سلمة عن عطاء لاحتمال أن يكون سمعه منه في حالة الاختلاط، فلقد أصاب الصنعاني كبد الحقيقة حين قال بعدما تقدم نقله عنه:" والحق الوقف عن تصحيحه وتضعيفه حتى يتبين الحال فيه ".
نعم لو صح ما أشرنا إليه من المتابعة لصح الحديث، ولكن هيهات! فقال أبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران المعروف بـ (ابن الجندي) في " الفوائد الحسان الغرائب "(٨ / ١) : حدثنا علي بن محمد بن عبيد: أخبرنا عيسى بن جعفر الوراق قال: أنبأنا عفان، قال: أنبأنا شعبة وحماد، أو قال: شعبة وحماد حدثانا عن عطاء بن السائب به.
قلت: وهذا سند ظاهره الصحة، فإن رجاله من شيخ الجندي فمن فوقه كلهم ثقات من رجال الصحيح غير عيسى بن جعفر الوراق فإنه صدوق وله ترجمة في " تاريخ بغداد "(١١ / ١٦٨ - ١٦٩) ، وعلي بن محمد بن عبيد ثقة حافظ ترجمه الخطيب أيضا ترجمة طيبة (١٢ / ٧٣ - ٧٤) ولكن علة الحديث من صاحب " الفوائد " وهو ابن الجندي، فقد ترجمه الخطيب بقوله (٥ / ٧٧) : " كان يضعف في روايته، ويطعن عليه في مذهبه، سألت الأزهري عنه؟ فقال: ليس بشيء ". وقال الحافظ في " اللسان ": " وأورده ابن الجوزي في " الموضوعات " في فضل علي حديثا بسند، رجاله ثقات إلا الجندي: فقال: هذا موضوع، ولا يتعدى الجندي "(١) .
قلت: ومما يؤيد ضعف هذا الرجل، أنه روى الحديث عن طريق عفان - وهو ابن مسلم -