للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

وإذا تبين لك ما ذكرنا تعرف سقوط تعقب البوصيري للإمام البخاري بقوله في " الزوائد " (ق ٢٥ / ١) : " وهذا الذي علل به البخاري ليس بقادح، فالإسناد الأول حسن (١) ، رجاله ثقات معرفون، وقد أخطأ من زعم أن خالد بن أبي الصلت مجهول، وأقوى ما أعل به هذا الخبر أن عراكا لم يسمع من عائشة، نقلوه عن الإمام أحمد، وقد ثبت سماعه منها عند مسلم ".

قلت: والجواب على هذا من وجوه: الأول: أن المخالفة التي أعل البخاري الحديث بها لم يجب عنها البوصيري بشيء عنها أصلا، إلا مجرد الدعوى " ليس بقادح "! مع أنه ساق كلامه للرد عليه، فانصرف عنه إلى الرد على غيره! وذلك دليل على ضعف رده وسلامة الحجة عند المردود عليه!

الثاني: أن رجال الإسناد كلهم ثقات رجال مسلم غير ابن أبي الصلت فإن كان ثقة فلماذا اقتصر البوصيري على تحسين الإسناد ولم يصححه؟ ! أليس في هذا وحده ما يدل على أن في ابن أبي الصلت شيئا يمنع حتى الموثقين له من تصحيح حديثه! فما هو هذا الشيء؟ ليس هو إلا عدم الاطمئنان لتوثيق ابن حبان، وإن تظاهروا بالاعتداد بتوثيقه! الثالث: جزمه بخطإ من جهل ابن أبي الصلت مردود عليه بما سبق بيانه في العلة (الثالثة) ، فأغنى عن

الإعادة. الرابع: دعواه أن الانقطاع الذي ذكره هو أقوى ما أعل به الحديث، ليس مسلما عندي، بل الأقوى هو المخالفة التي لم يستطع الإجابة عنها، ثم الجهالة.

الخامس: أن رده للانقطاع بقوله: " ثبت سماعه منه عند مسلم "، خطأ مبني على خطأ، وذلك أنه ليس عند مسلم ما زعمه من سماع عراك من عائشة، وما علمت أحدا سبقه إلى هذا الزعم، وإنما ذكر الشيخ ابن دقيق العيد أن مسلما أخرج في " صحيحه " حديث عراك عن عائشة: " جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها ... " الحديث (٢) ، نقله الزيلعي في " نصب الراية " (٢ / ١٠٧) ، وليس فيه السماع المدعى كما ترى. السادس: أنه لوفرضنا أن عراكا سمع من عائشة بعض الأحاديث، فلا يلزم من ذلك أنه سمع منها كل حديث يروى من طريقه عنها، لاحتمال عدم ثبوت السند بذلك عنه، كما هو الشأن في هذا الحديث، وهذه علة أخرى فيه وهي:

الخامسة: الانقطاع بين عراك وعائشة، والدليل على ذلك مجموع أمرين:

١ - أن أكثر الروايات التي سبق ذكرها لم يقع فيها تصريح عراك بالسماع من عائشة.


(١) سبقه إلى تحسينه النووي، ثم تبعهما الصنعاني في " سبل السلام " (١ / ١١٦) وفي " العدة شرح العمدة " (١ / ١٣١) أيضا لكنه عقب ذلك بقوله " إلا أنه أشار البخاري في تاريخه إلى أن فيه علة ".
(٢) وهو في مسلم (٨ / ٣٨) وتمامه " فأطعمتها ثلاث تمرات، فأعطت كل واحدة منها تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها فاستطعمتها ابنتاها التمرة التي كانت تريد أن تأكلها بينهما، فأعجبني شأنها قد ذكرت الذي صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله قد أو جب لها الجنة، أو أعتقها من النار ".

<<  <  ج: ص:  >  >>