وإنما وقع في رواية علي بن عاصم وهو ضعيف الحفظ كما سبق، وقول الشيخ أحمد شاكر في تعليقه على " المحلى "(١ / ١٩٧) وقد تابعه على ذلك حماد بن سلمة فارتفعت شبهة الغلط "، ليس مسلما، لأن هذه المتابعة مشكوك في ثبوتها، فإن كل ما رواه عن حماد لم يصرح بالسماع سوى موسى وهو التبوذكي، وأما الثقات الآخرون فرووه معنعنا، وهم وكيع ابن الجراح وبهز بن أسد ويحيى ابن إسحاق وأسد بن موسى ويزيد بن هارون في رواية عنه، وعبد العزيز بن المغيرة، كلهم قالوا: " عن عائشة " وروايتهم أرجح من رواية الفرد ولوكان ثقة، مع أنه يمكن أن تكون المخالفة ليست منه بل من حماد نفسه، لما سبق ذكره من أنه كان يخطىء أحيانا، فكان في الغالب يرويه معنعنا، فحفظ ذلك منه الجماعة، ونادرا يرويه بالسماع فحفظ ذلك منه موسى، وهذا اضطراب من حماد نفسه، كما كان يضطرب في إسناده على ما سبق بيانه.
ومما يرجح رواية العنعنة، رواية جماعة آخرين لها مثل أبي عوانة ويحيى بن مطر والقاسم بن مطيب وعبد الوهاب الثقفي ووهيب عن خالد الحذاء على خلاف بينهم وبين الجماعة الأولى كلهم أجمعوا على روايته بالعنعنة. فهؤلاء عشرة أشخاص وزيادة رووه بالعنعنة فلا يشك كل من وقف عليها أنها هي الصواب، وأن رواية السماع منكرة أو شاذة، وقد صرح بهذا الإمام أحمد فقال إبراهيم بن الحارث: " أنكر أحمد قول من قال: عن عراك سمعت عائشة، وقال: عراك من أين سمع من عائشة ".
وقال أبو طالب عن أحمد: " إنما هو عراك عن عروة عن عائشة، ولم يسمع عراك منها " وذكر ابن أبي حاتم في " المراسيل " (ص ١٠٣ - ١٠٤ - طبع بغداد) بعد أن ساق الحديث أن الإمام أحمد قال: " مرسل، عراك بن مالك من أين سمع عن عائشة، إنما يروي عن عروة، هذا خطأ، ثم قال: من يروي هذا؟ قلت: حماد بن سلمة عن خالد الحذاء، فقال: قال غير واحد: عن خالد الحذاء ليس فيه سمعت وقال غير واحد أيضا عن حماد بن سلمة ليس فيه سمعت ".
فقد أشار الإمام أحمد رحمه الله إلى أن ذكر السماع غير محفوظ عن حماد من جهة، ولا عن خالد الحذاء من جهة أخرى، وذلك ما فصلناه آنفا. ولو أن الذين خالفوا الإمام أحمد ورجحوا رواية السماع تأملوا في كلامه ثم تتبعوا الروايات التي ذكرناها لما أقدموا إن شاء الله على مخالفته، لأن الحجة الواضحة معه، ولكنه رحمه الله اكتفى بالإشارة إليها وقد فصلناه لك تفصيلا لا يدع مجالا للشك في خطإ المخالفين، وقال موسى بن هارون: " لا نعلم لعراك سماعا من عائشة ". وليس من السهل في نظر الباحث المحقق تخطئة هذين الإمامين، كما فعل المعلق على " المحلى "، ومن قبله البوصيري بمجرد ذكر السماع في بعض الروايات مع شذوذها، ثم هي