فعلي وأصحابه أولى بذلك، فإن كانت الصلاة بعد الغروب لا تجزي أو ناقصة تحتاج إلى رد الشمس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى برد الشمس، وإن كانت كاملة مجزئة فلا حاجة إلى ردها. وأيضا فمثل هذه القضية من الأمور العظام الخارجة عن العادة التي تتوفر الهمم والدواعي على نقلها، فإذا لم ينقلها إلا الواحد والاثنان، علم كذبهم في ذلك. وانشقاق القمر كان بالليل وقت نوم الناس، ومع هذا فقد رواه الصحابة من غير وجه، وأخرجوه في " الصحاح " و" السنن " و" المسانيد " من غير وجه، ونزل به القرآن، فكيف ترد الشمس التي تكون بالنهار، ولا يشتهر ذلك، ولا ينقله أهل العلم نقل مثله؟ ! ولا يعرف قط أن الشمس رجعت بعد غروبها، وإن كان كثير من الفلاسفة والطبيعين وبعض أهل الكلام ينكر انشقاق القمر وما يشبه ذلك، فليس الكلام في هذا المقام، لكن الغرض أن هذا من أعظم خوارق العادات في الفلك، وكثير من الناس ينكر إمكانه، فلووقع لكان ظهوره ونقله أعظم من ظهور ما دونه ونقله، فكيف يقبل وحديثه ليس له إسناد مشهور، فإن هذا يوجب العلم اليقيني بأنه كذب لم يقع. وإن كانت الشمس احتجبت بغيم ثم ارتفع سحابها، فهذا من الأمور المعتادة، ولعلهم ظنوا أنها غربت ثم كشف الغمام عنها، وهذا إن كان قد وقع ففيه أن الله بين له بقاء الوقت حتى يصلي فيه، ومثل هذا يجري لكثير من الناس ".
ثم قال ابن تيمية رحمه الله تعالى: " ثم تفويت الصلاة بمثل هذا إما أن يكون جائزا، وإما أن لا يكون، فإن كان جائزا لم يكن على علي رضي الله عنه إثم إذا صلى العصر بعد الغروب، وليس علي أفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد نام صلى الله عليه وسلم ومعه علي وسائر الصحابة عن الفجر حتى طلعت الشمس، ولم ترجع لهم إلى الشرق. وإن كان التفويت محرما فتفويت العصر من الكبائر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:" من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله ". وعلي كان يعلم أنها الوسطى وهي صلاة العصر، وهو قد روى عن النبي صلى الله عليه وسلم في " الصحيحين " أنه قال: " شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر حتى غربت الشمس ملأ الله أجوافهم وبيوتهم نارا ".
وهذا كان في الخندق، وهذه القصة كانت في خيبر كما في بعض الروايات، وخيبر بعد الخندق، فعلي أجل قدرا من أن يفعل مثل هذه الكبيرة ويقره عليها جبريل ورسول الله، ومن فعل هذا كان من مثالبه لا من مناقبه، وقد نزه الله عليا عن ذلك ثم فاتت لم يسقط الإثم عنه بعود الشمس. وأيضا فإذا كانت هذه القصة في خيبر في البرية قدام العسكر، والمسلمون أكثر من ألف وأربعمائة، كان هذا مما يراه العسكر ويشاهدونه، ومثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعي على نقله، فيمتنع أن ينفرد بنقله الواحد والاثنان، فلونقله الصحابة لنقله منهم أهل العلم، كما نقلوا أمثاله، لم ينقله المجهولون الذين لا يعرف ضبطهم وعدالتهم، وليس في جميع أسانيد هذا الحديث إسناد واحد يثبت، تعلم عدالة ناقليه وضبطهم، ولا يعلم اتصال إسناده، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عام خيبر:" لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله "، فنقل ذلك غير واحد من