ثم بين الضعف الذي في أسانيدها، وكلها تدور على رجال لا يعرفون بعدالة ولا ضبط، وفي بعضها من هو متروك منكر الحديث جدا، وأما حكمه على الحديث بالوضع متنا، فقد ذكر في ذلك كلاما متينا جدا، لا يسع من وقف عليه، إلا أن يجزم بوضعه، وأرى أنه لابد من نقله ولوملخصا ليكون القارئ على بينة من الأمر فقال رحمه الله:" وحديث رد الشمس لعلي، قد ذكره طائفة كالطحاوي والقاضي عياض وغيرهما، وعدوا ذلك من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم، لكن المحققون من أهل العلم والمعرفة بالحديث، يعلمون أن هذا الحديث كذب موضوع،
كما ذكره ابن الجوزي في (الموضوعات) ".
ثم ذكر حديث " الصحيحين " في حديث الشمس لنبي من الأنبياء، وهو يوشع بن نون، كما في رواية لأحمد والطحاوي بسند جيد كما بينته في " سلسلة الأحاديث الصحيحة " رقم (٢٠٢) ثم قال: " فإن قيل: فهذه الأمة أفضل من بني إسرائيل، فإذا كانت قد ردت ليوشع فما المانع أن ترد لفضلاء هذه الأمة؟ فيقال: يوشع لم ترد له الشمس، ولكن تأخر غروبها وطول له النهار وهذا قد لا يظهر للناس، فإن طول النهار وقصره لا يدرك، ونحن إنما علمنا وقوفها ليوشع بخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وأيضا لا مانع من طول ذلك، ولوشاء الله لفعل ذلك، لكن يوشع كان محتاجا إلى ذلك لأن القتال كان محرما عليه بعد غروب الشمس، لأجل ما حرم الله عليهم من العمل ليلة السبت ويوم السبت وأما أمة محمد فلا حاجة لهم إلى ذلك، ولا منفعة لهم فيه، فإن الذي فاتته العصر إن كان مفرطا لم يسقط ذنبه إلا التوبة، ومع التوبة لا يحتاج إلى رد، وإن لم يكن مفرطا كالنائم والناسي فلا ملام عليه في الصلاة بعد الغروب. وأيضا فبنفس غروب الشمس خرج الوقت المضروب للصلاة، فالمصلي بعد ذلك لا يكون مصليا في الوقت الشرعي ولوعادت الشمس، وقول الله تعالى " فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها " يتناول الغروب المعروف، فعلى العبد أن يصلي قبل هذا الغروب وإن طلعت ثم غربت. والأحكام المتعلقة بغروب الشمس حصلت بذلك الغروب، فالصائم يفطر ولوعادت بعد ذلك لم يبطل صومه، مع أن هذه الصورة لا تقع لأحد، ولا وقعت لأحد، فتقديرها تقدير ما لا وجود له.
وأيضا فالنبي صلى الله عليه وسلم فاتته صلاة العصر يوم الخندق، فصلاها قضاء هو وكثير من أصحابه، ولم يسأل الله رد الشمس، وفي " الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه، بعد ذلك لما أرسلهم إلى بني قريظة، " لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة "، فلما أدركتهم الصلاة في الطريق، قال بعضهم: لم يرد من تفويت الصلاة، فصلوا في الطريق، فقالت طائفة: لا نصلي إلا في بني قريظة، فلم يعنف واحدة من الطائفتين، فهؤلاء الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلوا العصر بعد غروب الشمس وليس علي بأفضل من النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا صلاها هو وأصحابه معه بعد الغروب،