قلت: فمثل هذه العبادة والغلوفيها حري بصاحبها أن لا يظل محتفظا بذاكرته التي متعه الله بها والاستفادة منها بضبط الحديث وحفظه!
وإن اضطرابه في هذا الحديث لمن أقوى الأدلة على عدم ضبطه لحديثه، فهو تارة يرويه عن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا، وتارة عن عكرمة من قوله لا يتعداه، وهذا هو اللائق بمثل هذا الحديث أن يكون موقوفا على عكرمة وهو تلقاه من بعض أهل الكتاب، فهو من الإسرائيليات التي لا يجب علينا التصديق بها، بل هو مما يجب الجهر بتكذيبه وبيان بطلانه، كيف لا؛ وفيه أن موسى كليم الله يجهل تنزه الله تبارك وتعالى عن السهو والنوم فيتساءل في نفسه: هل ينام الله؟ ؟ !
وهل هذا إلا كما لوقال قائل: هل يأكل الله تبارك وتعالى؟ هل كذا، هل كذا، وغير ذلك مما لا يخفى بطلانه على أقل مسلم! ولهذا صرح بضعف هذا الحديث غير واحد من العلماء، فقال القرطبي في " تفسيره "(١/٢٧٣) :
ولا يصح هذا الحديث، ضعفه غير واحد، منهم البيهقي.
وقال الذهبي في ترجمة أمية بن شبل:
يماني، له حديث منكر، رواه عن الحكم بن أبان بن عكرمة عن أبي هريرة مرفوعا قال: وقع ... الحديث، رواه عنه هشام بن يوسف وخالفه معمر عن الحكم عن عكرمة قوله، وهو أقرب، ولا يسوغ أن يكون هذا وقع في نفس موسى عليه السلام، وإنما روي أن بني إسرائيل سألوا موسى عليه السلام عن ذلك.
وأقره الحافظ في " اللسان ".
وقال الحافظ ابن كثير بعد أن ساق رواية معمر الموقوفة على عكرمة (١/٣٠٨) :
وهو من أخبار بني إسرائيل، وهو مما يعلم أن موسى لا يخفى عليه مثل هذا من أمر الله عز وجل، وأنه منزه عنه، وأغرب من هذا كله الحديث الذي رواه ابن جرير: حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، قلت: فساقه مرفوعا كما تقدم، ثم قال:
وهذا حديث غريب جدا، والأظهر أنه إسرائيلي لا مرفوع، والله أعلم ".