فمن كان صادقا في بحثه العلمي لهذه المسألة، مخلصا فيه، لا يريد منه إرضاء الناس، ولا إقرارهم على ما اعتادوه مع مشايخهم على خلاف سنة الصحابة مع نبيهم، - ولعل الشيخ منهم - فليحيي هذه السنة التي أماتها أهل العلم فضلا عن غيرهم، وليتبع النبي صلى الله عليه وسلم في كراهته لهذا القيام، وعلامة ذلك أن لا يغضب إذا دخل مجلسا لم يقم له أهله، بل إذا قاموا له حسب العادة، وعلى خلاف سنته صلى الله عليه وسلم تلطف معهم، وشكرهم على حسن نيتهم، وعلمهم ما كان خافيا من سنة نبيهم صلى الله عليه وسلم، وبذلك تحيا السنن وتموت البدع، وتطيب النفوس ويذهب التباغض والتقاطع. ومن عجيب أمر ذلك الشيخ، أنه مع حكايته الخلاف في هذه المسألة وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكره القيام له من أصحابه، وأن من الورع ترك القيام، ذكر الشيخ هذا كله، ومع ذلك فإنه في آخر النشرة، يسمي ترك هذا القيام بدعة! وينبز الدعاة إليه بـ " المبتدعين "، مع أنهم لا يزيدون على القول بكراهته، لكراهة النبي صلى الله عليه وسلم إياه باعتراف الشيخ.
نعم إن الشيخ - تبعا لغيره - يعلل كراهته صلى الله عليه وسلم لذلك بقوله:" لتواضعه صلى الله عليه وسلم ". ونحن وإن كنا لا نجد هذا التعليل منصوصا عليه في الحديث، فيحتمل أن تكون الكراهة المذكورة لذلك، وأن تكون لما فيه من التشبه بالأعاجم، ويحتمل أن يكون لمجموع الأمرين، ولغيرهما، مع ذلك فإننا نتخذ هذا التعليل من الشيخ حجة عليه وعلى أمثاله، فنقول:
كره رسول الله صلى الله عليه وسلم القيام له تواضعا منه، فهل يكرهه الشيخ أيضا تواضعا منه؟ ! وهل يرى هذا التواضع حسنا ينبغي الاقتداء به، وحمل الناس عليه، وخاصة أهل العلم؟ فإن كان الجواب نعم، فقد عاد إلى الصواب، ووافقنا عليه، وإن قال: ليس بحسن، فنسأل المفتي عن حكم من يستقبح فعله صلى الله عليه وسلم وتواضعه؟ أيبقى على إسلامه، أم يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ويحبط عمله، وهو في الآخرة من الخاسرين؟
ومن جهله أنه ذكر في النشرة المشار إليها أن الزهري أتى إلى الإمام أحمد يسلم