وقتها عامدا بوجوب قضائها مكان السنن الراتبة فضلا عن غيرها، ويقولون: إن
الله عز وجل لا يقبل النافلة حتى تصلى الفريضة! وهذا الحديث مع ضعفه لا يدل
على ما ذهبوا إليه لوصح، إذ إن المقصود به فريضة الوقت مع نافلته، ففي هذه
الحالة لا تقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة، فلوأنه صلاهما معا كفريضة الظهر
ونافلتها مثلا في الوقت مع إتيانه بسائر الشروط والأركان، كانت النافلة
مقبولة كالفريضة، ولوأنه كان قد ترك صلاة أوأكثر عمدا فيما مضى من الزمان.
فمثل هذه الصلاة لا مجال لتداركها وقضائها، لأنها إذا صليت في غير وقتها فهو
كمن صلاها قبل وقتها ولا فرق، ومن العجائب أن العلماء جميعا متفقون على أن
الوقت للصلاة شرط من شروط صحتها، ومع ذلك فقد وجد من قال في المقلدين يسوغ
بذلك القول بوجوب القضاء: المسلم مأمور بشيئين: الأول الصلاة، والآخر وقتها
، فإذا فاته هذا بقي عليه الصلاة! وهذا الكلام لو صح أولوكان يدري قائله ما
يعني لزم منه أن الوقت للصلاة ليس شرطا، وإنما هو فرض، وبمعنى آخر هو شرط
كمال، وليس شرط صحة، فهل يقول بهذا عالم؟ !
وجملة القول: أن القول بوجوب قضاء الصلاة على من فوتها عن وقتها عمدا مما لا
ينهض عليه دليل، ولذلك لم يقل به جماعة من المحققين مثل أبي محمد بن حزم
والعز بن السلام الشافعي وابن تيمية وابن القيم والشوكاني وغيرهم. ولابن
القيم رحمه الله تعالى بحث هام ممتع في رسالة " الصلاة " فليراجعها من شاء،
فإن فيها علما غزيرا، وتحقيقا بالغا لا تجده في موضع آخر.
وبديهي جدا أن النائم عن الصلاة أوالناسي لها لا يدخل في كلامنا السابق، بل
هو خاص بالمتعمد للترك، وأما النائم والناسي، فقد أوجد الشارع الحكيم لهما
مخرجا، فأمرهما بالصلاة عند الاستيقاظ أوالتذكر، فإن فعلا تقبل الله صلاتهما
وجعلها كفارة لما فاتهما، وإن تعمدا الترك لأدائها حين الاستيقاظ والتذكر
كانا آثمين كالمتعمد الذي سبق الكلام عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم: " من
نسي صلاة أونام عنها فليصلها حين يذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك ". أخرجه
الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه. فقوله: " لا كفارة لها إلا ذلك " أي إلا
صلاتها حين التذكر. فهو نص على أنه إذا لم يصلها حينذاك فلا