من جهله. قال زيد بن سعنة:
فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الحجرات، ومعه علي بن أبي طالب
رضي الله عنه فأتاه رجل على راحلته كالبدوي فقال: يا رسول الله! إن بصري قرية
بني فلان قد أسلموا ودخلوا في الإسلام، وكنت حدثتهم إن أسلموا أتاهم الرزق
غدا وقد أصابتهم سنة وشدة وقحوط من الغيث، فأنا أخشى يا رسول الله! أن
يخرجوا من الإسلام طمعا، كما دخلوا فيه طمعا، فإن رأيت أن ترسل إليهم بشيء
تعينهم به فعلت. فنظر إلى رجل إلى جانبه أراه عليا رضي الله عنه فقال: يا
رسول الله! ما بقي منه شيء.
قال زيد بن سعنة: فدنوت إليه فقلت: يا محمد! هل لك أن تبيعني تمرا معلوما من
حائط بني فلان إلى أجل كذا وكذا؟ فقال:
" لا يا يهودي! ولكني أبيعك تمرا معلوما إلى أجل كذا وكذا، ولا تسمي حائط
بني فلان ".
قلت: بلى فبايعني. فأطلقت همياني فأعطيته ثمانين مثقالا من ذهب في تمر معلوم
إلى أجل كذا وكذا. فأعطاها الرجل فقال: " اغد عليهم فأعنهم بها ".
فقال زيد بن سعنة: فلما كان قبل محل الأجل بيومين أوثلاثة أتيته، فأخذت
بمجامع قميصه وردائه ونظرت إليه بوجه غليظ فقلت له: ألا تقضيني يا محمد حقي
؟ فوالله ما علمتكم بني عبد المطلب لمطل، ولقد كان لي بمخالطتكم علم، ونظرت
إلى عمر وإذا عيناه تدوران في وجهه كالفلك المستدير، ثم رماني ببصره فقال:
يا عدوالله! أتقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما أسمع؟ وتصنع به ما أرى
؟ فوالذي بعثه بالحق لولا ما أحاذر فوته لضربت بسيفي رأسك! ورسول الله
صلى الله عليه وسلم ينظر إلى عمر في سكون وتؤدة ثم قال: فذكره.
قال زيد: فذهب بي عمر رضي الله عنه فأعطاني حقي وزادني عشرين صاعا من تمر.
فقلت: ما هذه الزيادة يا عمر؟ فقال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن
أزيدك مكان ما رعتك، قلت: وتعرفني يا عمر؟ قال: لا، من أنت؟ قلت: أنا
زيد بن سعنة. قال: الحبر؟ قلت: الحبر. قال: فما دعاك أن فعلت برسول الله
صلى الله عليه وسلم ما فعلت وقلت له ما قلت؟ قلت: يا عمر! لم تكن من علامات
النبوة شيء إلا وقد عرفته في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم