قلت: فجعل النعمان هذا الأمر بالقراءة بعد قصة الهم المذكور، وهذا منكر مخالف لجميع الرواة الذين رووا الأمر دونها، فذكروه في أول حديث بدء الوحي، والذين رووها معه مرسلة أو موصولة؛ فذكروها بعده.
ومن ذلك: ما أخرجه ابن جرير أيضاً (٢/ ٣٠٠-٣٠١) قال: حدثنا ابن حميد قال: حدثنا سلمة عن محمد بن إسحاق قال: حدثني وهب بن كيسان مولى آل الزبير قال:
سمعت عبد الله بن الزبير وهو يقول لعبيد بن عمير بن قتادة الليثي: حدثنا يا عبيد! كيف كان بدء ما ابتدىء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من النبوة حين جاء جبريل عليه السلام؟
قلت ... فذكر الحديث، وفيه - بعد الأمر المشار إليه -:
قال:"فقرأته. قال: ثم انتهى، ثم انصرف عني، وهببت من نومي، وكأنما كتب في قلبي كتاباً. [قال: ولم يكن من خلق الله أحد أبغض إلي من شاعر أو مجنون، كنت لا أطيق أن أنظر إليهما! قال: قلت: إن الأبعد - يعني: نفسه - لشاعر أو مجنون؟! لا تحدث بها عني قريش أبداً، لأعمدن إلى حالق من الجبل فلأطرحن نفسي منه، فلأقتلنها فلأستريحن] . قال: فخرجت أريد ذلك، حتى إذا كنت في وسط الجبل؛ سمعت صوتاً من السماء ... " الحديث.
ولكن هذا الإسناد مما لا يفرح به، لا سيما مع مخالفته لما تقدم من روايات الثقات؛ وفيه علل:
الأولى: الإرسال؛ فإن عبيد بن عمير ليس صحابياً، وإنما هو من كبار التابعين، ولد في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -.
الثانية: سلمة - وهو ابن الفضل الأبرش -؛ قال الحافظ: