"ومن ذلك: حديث عبد الله بن خليفة المشهور الذي يرويه عن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد رواه أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في "المختارة". وطائفة من أهل الحديث ترده لاضطرابه، كما فعل ذلك أبو بكر الإسماعيلي وابن الجوزي وغيرهم، لكن أكثر أهل السنة قبلوه.
ورواه الإمام أحمد وغيره مختصراً وذكر أنه حدث به وكيع. لكن كثير ممن رواه رووه بقوله: "إنه ما يفضل منه إلا أربع أصابع"؛ فجعل العرش يفضل منه أربع أصابع.
واعتقد القاضي وابن الزاغوني صحة هذا اللفظ، فأمروه، وتكلموا على معناه بأن ذلك القدر لا يحصل عليه الاستواء، وذكر عن أيمن العائذ أنه قال: هو موضع جلوس محمد - صلى الله عليه وسلم - (!) ".
ثم ذكر لفظ ابن جرير المخالف، ثم قال:
"فلو لم يكن في الحديث إلا اختلاف الروايتين؛ هذه تنفي ما أثبتت هذه، ولا يمكن مع ذلك الجزم بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد الإثبات، وأنه يفضل من العرش أربع أصابع لا يستوي عليها الرب. وهذا معنى غريب ليس له قط شاهد في شيء من الروايات، بل هذا يقتضي أن يكون العرش أعظم من الرب وأكبر! وهذا باطل مخالف للكتاب والسنة والعقل".
ثم أطال الكلام في ترجيح رواية ابن جرير المخالفة النافية، وهي بلا شك أولى من حيث المعنى. ولكن الحديث عندي معلول بما ذكرنا من العلل، وهي تحيط بكل من الروايتين المثبتة والنافية؛ فلا فائدة تذكر من الإطالة. والله أعلم.