بشهادتهم واتبع أقوالهم، ولا يمس ذلك من قريب ولا من بعيد مقام أبي حنيفة رحمه الله في دينه وورعه وفقهه، خلافا لظن بعض المتعصبين له من المتأخرين فكم من فقيه وقاض وصالح تكلم فيهم أئمة الحديث من قبل حفظهم، وسوء ضبطهم، ومع ذلك لم يعتبر ذلك طعنا في دينهم وعدالتهم، كما لا يخفى ذلك على المشتغلين بتراجم الرواة، وذلك مثل محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى القاضي وحماد بن أبي سليمان الفقيه وشريك بن عبد الله القاضي وعباد بن كثير وغيرهم، حتى قال يحيى بن سعيد القطان: لم نر الصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث، رواه مسلم في مقدمة صحيحه (١ / ١٣) وقال في تفسيره: يقول يجري الكذب على لسانهم، ولا يتعمدون الكذب، وروى أيضا عن عبد الله بن المبارك قال: قلت لسفيان الثوري: إن عباد بن كثير من تعرف حاله (يعني في الصلاح والتقوى) وإذا حدث جاء بأمر عظيم، فترى أن أقول للناس: لا تأخذوا عنه؟ قال: سفيان: بلى، قال عبد الله: فكنت إذا كنت في مجلس ذكر فيه عباد أثنيت عليه في دينه، وأقول: لا تأخذوا عنه.
قلت: فهذا هو الحق والعدل وبه قامت السماوات والأرض، فالصلاح والفقه شيء وحمل الحديث وحفظه وضبطه شيء آخر، ولكل رجاله وأهله، فلا ضير على أبي حنيفة رحمه الله أن لا يكون حافظا ضابطا، ما دام أنه صدوق في نفسه، أضف إلى ذلك جلالة قدره في الفقه والفهم، فليتق الله بعض المتعصبين له ممن يطعن في مثل الإمام الدارقطني لقوله في أبي حنيفة ضعيف في الحديث.