فالصواب أنه حسنه لذاته؛ لثقة رجاله، واتصال إسناده عنده. أما الثقة؛ فلا مجال للنظر فيها لما سبق، وإنما النظر في الاتصال المذكور؛ فإن تصريحه بسماع مكحول من واثلة قد خالفه فيه شيخه البخاري؛ فقال: إنه لم يسمع منه.
ولا يشك عارف بهذا الفن أنه أعلم منه بعلل الحديث ورجاله، ولا سيما أنه وافقه على ذلك أبو حاتم الرازي، فأخشى أن يكون الترمذي اعتمد في ذلك على رواية لا تثبت؛ فقد جاء في "التهذيب" ما نصه:
"قال أبو حاتم: قلت لأبي مسهر: هل سمع مكحول من أحد من الصحابة؟! قال: من أنس. قلت: قيل: سمع من أبي هند؟ قال: من رواه؟ قلت: حيوة عن أبي صخرة عن مكحول: أنه سمع أبا هند. فكأنه لم يلتفت إلى ذلك. فقلت له: فواثلة بن الأسقع؟ فقال: من يرويه؟ قلت: حدثنا أبو صالح: حدثني معاوية بن صالح عن العلاء بن الحارث عن مكحول قال: دخلت أنا وأبو الأزهر على واثلة! فكأنه أومى برأسه".
قلت: فهذا لو صح عن مكحول؛ ثبت سماعه منه، ولكن في الطريق إليه ما يدفعه؛ فأبو صالح - وهو عبد الله بن صالح المصري - كثير الغلط؛ كما قال الحافظ في "التقريب".
والعلاء بن الحارث كان اختلط، ولهذا لم يعتد به أبو حاتم، وهو الراوي له، فنفى سماعه منه؛ كما تقدم.
وأيضاً؛ لو ثبت سماعه منه في الجملة؛ لم يلزم ثبوت سماعه لهذا الحديث منه؛ لأن ابن حبان رماه بالتدليس.
نعم؛ إن صح ما في رواية الشهاب القضاعي من طريق أبي يعلى الساجي: أخبرنا