فأقول: حديث الاستعانة بصفوان ليس معارضاً لحديث عائشة؛ لأنه استعانة
بسلاحه وليس بشخصه، فهو كاستئجاره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك المشرك الدِّيلي عند هجرته
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من مكة إلى المدينة مع أبي بكر؛ ليدلهما على الطريق - كما جاء في
"صحيح البخاري " في "كتاب الإجارة " -، وحديث صفوان مخرج في "الإرواء "
(١٥١٣) ؛ وحينئذٍ فلا حاجة للتوفيق بين الحديثين، فإن صح حديث صريح في
الاستعانة بالمشرك في القتال؛ فالحمل المذكور لا بد منه. ونحوه ما ذكره
الشوكاني فقال:
"وشرط بعض أهل العلم - ومنهم الهادوية - أنها لا تجوز الاستعانة بالكفار
والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقلُّ بهم في إمضاء الأحكام
الشرعية على الذين استعان بهم؛ ليكونوا مغلوبين لا غالبين؛ كما كان عبد الله بن
أُبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للقتال وهم كذلك ".
ثم رأيت في "المغني" لابن قدامة (١٠/٤٥٧) أن ابن المنذر والّجوزجاني
من العلماء الذين قالوا بأنه لا يستعان بمشرك مطلقاً. وقال ابن المنذر:
"والذي ذُكر أنه استعان بهم غير ثابت ".
وأن مذهب أحمد جواز الاستعانة عند الحاجة - بالشرط الذي ذكره النووي
عن الشافعي -، ولفظ ابن قدامة:
"ويشترط أن يكون من يستعان به حسن الرأي في المسلمين، فإن كان غير
مأمون عليهم، لم تجز الاستعانة به؛ لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من
المسلمين - مثل المُخْذِلِ والمُرْجِفِ -؛ فالكافر أولى".
وكذا في "الشرح الكبير" للشمس ابن قدامة (١٠/٤٢٧) .