لقد كانوا إذا عُدُّوا قليلاً *** وقد صاروا أقلَّ من القليلِ
ولذلك فإنك في الوقت الذي تجد في كل علم العشرات بل المئات من
المؤلفين، لا تجد من المؤلفين في تخريج الأحاديث وتمييز صحيحها من ضعيفها إلا
أقل من القليل، وأما في السيرة فهو مما لم يطرق بابه أحد فيما علمت. ولقد كان
قدر لي أنني شرعت في هذا المشروع العظيم وأنا بعيد عن بلدي وكتبي ومَراجعي،
وقطعت فيه شوطأ جيداً؛ نحو الثلث (*) ، ثم لما تيسر لي العودة إلى بلدي؛ صرفني
عنه مشاريعي العلمية الأخرى، ولسان حالي يقول: {وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو
خير لكم} .
ثم إن للحديث طريقاً أخرى أوهى من الأولى: يرويه إبراهيم بن إسماعيل
ابن مجمع عن يحيى بن عباد بن جارية الليثي: أن أباه أخبره، قال: قال لي ابن
عمر رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: سمعت رسول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:
"محرم الحلال كمستحل الحرام ".
أخرجه البخاري في "التاريخ " (٣/٢/ ١٥٩٩) ، وابن حبان في "الضعفاء"
(١/١٠٣) ، والقضاعي أيضاً (٩٨٠) .
قلت: وهذا إسناد مظلم، أورده البخاري في ترجمة عباد هذا، ولم يذكر فيه
جرحاً ولا تعديلاً، وكذلك فعل ابن أبي حاتم، وكذلك فعلا بابنه يحيى؛ فهما
في عداد المجهولين، وإن أورد ابن حبان أباه عباداً في "ثقاته " (٥/١٤٢) " فذلك
من تساهله المعروف!
وإبراهيم بن إسماعيل بن مُجَمِّع - وهو: الأنصاري -: مُجْمَع على ضعفه،
(*) وقد يسر الله لنا طبع الجزء الذي أنجزه المؤلف؛ ولكن بعد وفاته - رحمه الله -. (الناشر) .