إذا عرفت هذا؛ فمن المستغرب جداً قول الحافظ ابن عبد البر في أول ترجمة
عدي من "الاستيعاب":
"وخبره في قدومه على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خبر عجيب فِي حَدِيثِ حسن صحيح من
رواية قتادة عن ابن سيرين"!
إلا أن يقال: لعله وقف له على طريق أخرى صحيحة عن قتادة، فأقول:
وهذا وإن كان ممكناً بالنسبة لسعة حفظه؛ فإني مما أستبعده، ولئن ثبت؛ فالجواب
ما تقدم من أن الراجح من ذاك الاختلاف: ثبوت الرجل المجهول في الإسناد.
ويؤكده روايتان أخريان:
الأولى: قال ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٤/٣٢٤ - ٣٢٥) ، وأحمد في
"المسند" (٤/٣٧٩) حدثنا حسين بن محمد: أخبرنا جرير بن حازم عن محمد
عن أبي عبيدة: أن رجلاً قال: ...
والأخرى: عن سعيد بن عبد الرحمن عن محمد بن سيرين عن أبي عبيدة
ابن حذيفة بن اليمان عن رجل كان يسمى (اسمين) أنه دخل على عدي بن
حاتم ... فذكر الحديث بمعناه.
هكذا أخرجه البيهقي في "الدلائل" (٥/٣٤٣) - عقب حديث حماد بن زيد
المتقدم - من طريق أحمد بن عبد الجبار قال: ثنا يونس بن بكير عن سعيد بن
عبد الرحمن.
قلت: وهذا إسناد جيد إلى الرجل؛ سعيد بن عبد الرحمن هذا هو: البصري
أخو أبي حرة؛ ثقة، ومن دونه من رجال "التهذيب".
وتخلص مما سبق من التخريج والتحقيق أن مدار إسناد هذه القصة على
محمد بن سيرين عن أبي عبيدة عن رجل عن عدي.