فهذا الذي ذكرته من طرق الحديث هو المعروف في كتب الحديث أنهم كانوا يستنجون بالماء، وليس فيها ذكر الجمع بين الماء والأحجار، وأما قول المصنف:
قالوا: نتبع الحجارة الماء، فكذا يقوله أصحابنا وغيرهم في كتب الفقه والتفسير فليس له أصل في كتب الحديث، وكذا قال الشيخ أبو حامد في التعليق: إن أصحابنا رووه، قال: ولا أعرفه، فإذا عرف أنه ليس له أصل من جهة الرواية، فيمكن تصحيحه من جهة الاستنباط، لأن الاستنجاء بالحجر كان معلوما عندهم يفعله جميعهم، وأما الاستنجاء بالماء فهو الذي انفردوا به، فلهذا ذكر ولم يذكر الحجر لأنه مشترك بينهم وبين غيرهم، ولكونه معلوما فإن المقصود بيان فضلهم الذي أثنى الله عليهم بسببه، ويؤيد هذا قولهم: إذا خرج أحدنا من الغائط أحب أن يستنجي بالماء، فهذا يدل على أن استنجاءهم بالماء كان بعد خروجهم من الخلاء، والعادة جارية بأنه لا يخرج من الخلاء إلا بعد التمسح بماء أوحجر. وهكذا المستحب أن يستنجي بالحجر في موضع قضاء الحاجة، ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر، والله أعلم ".
وجوابنا عن هذا الاستنباط أنه غير مسلم، وبيانه من وجهين:
الأول: أن أي حكم شرعي يستنبط من نص شرعي، فلابد لهاذ أن يكون ثابت الإسناد، وقد بينت فيما سبق أن هذا النص ضعيف الإسناد منكر المتن، فلا يصح حينئذ الاستنباط منه.
الآخر: هب أن النص المشار إليه ثابت الإسناد، فالاستنباط المذكور لا نسلم بصحته، لأن الحجارة لم تذكر فيه ولوإشارة، وأخذ ذلك من مجرد ثناء الله تعالى عليهم بضميمة أن الاستنجاء بها كان معروفا لديهم غير لازم، لأن الثناء المشار إليه يتحقق ويصدق عليهم بأي شيء فاضل تفرد به الأنصار دون غيرهم، وإذا كان من المسلم حينئذ فضلا أنهم كانوا يفعلون ذلك الذي لا يفعله بل ولا يعرفه غيرهم إلا أهل الكتاب، ومنهم تلقاه الأنصار كما في بعض الروايات الثابتة.
فإن قيل: ما ذكرته الآن ينافي ما تقدم من قولك: إن الحديث يدل بظاهره على