للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

الجمع المذكور.

فأقول: نعم، ولكن هذا الظاهر ليس هناك ما يلزمنا الجمود عنده، لأنه لم يجر العمل به من النبي صلى الله عليه وسلم ولا من أحد من الصحابة، ألا ترى إلى قول النووي في آخر كلامه السابق:

وهكذا المستحب أن يستنجى بالحجر في موضع قضاء الحاجة، ويؤخر الماء إلى أن ينتقل إلى موضع آخر.

فهل يستطيع أحد أن يدعي أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يفعلون ذلك؟ ! وحينئذ فلابد من تأويل النص المذكور بما لا يتنافى مع ما هو المعروف من الاستنجاء بالماء في مكان قضاء الحاجة، وذلك بأن نفسر قولهم - إن صح -: " إذا خرج من الغائط أي أراد الخروج، ومثل هذا التفسير معروف في كثير من الأحاديث، مثل حديث أنس قال: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث وقد اتفقوا على أن المعنى: كان إذا أراد دخول الخلاء، ومثله قول الله تبارك وتعالى: " فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله "، أي أردت قراءة القرآن، ونحوذلك كثير.

وخلاصة القول: أن الحديث بهذا اللفظ ضعيف الإسناد منكر المتن، وقد ترتب عليه استنباط حكم نقطع بأنه لم يكن عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، ألا وهو الاستنجاء بالحجارة أولا، ثم بالماء في مكان آخر، بل الراجح عندي أنه لا يشرع الجمع بينهما ولوفي المكان الأول، لأنه لم ينقل أيضا عنه صلى الله عليه وسلم، ولما فيه من التكلف، فبأيهما استنجى حصلت السنة، فإن تيسر الأمران معا بلا كلفة فلا مانع من ذلك لما فيه من تنزيه اليد عن الرائحة الكريهة. والله أعلم.

تنبيه: إن الذي دفعني إلى تحرير القول في هذا الحديث هو أنني رأيت بعض من ألف في شرح الترمذي من حنفية الهند (١) نقل كلام النووي في الاستنباط المذكور وذكر أنه صحح إسناد الحديث، وأقر كل ذلك فأحببت أن أبين حقيقة الأمر، عسى أن ينتفع به من قد يقف عليه، ثم رأيته ذكر كلاما آخر عقب الحديث فيه أشياء تستحق التنبيه عليه، فرأيت من


(١) هو الشيخ محمد يوسف البنوري في " معارف السنن " (١/١٣١ - ١٣٢) . اهـ

<<  <  ج: ص:  >  >>